لم تحلم الحكومة الألمانية تحت إدارة المستشار، رئيس الحكومة، أولاف شولتس أن تتحول إلى دولة تتقاسم مع الدول الاستعمارية التاريخية مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة النفوذ والمصالح الإمبريالية في أوروبا والعالم، وهي التي خاضت حربين عالميتين استعماريتين في القرن الماضي ضد هذه الدول لانتزاع المستعمرات منها وفرض نفوذها ونظامها النازي في أوروبا، وفي كلا الحربين كانت روسيا في عهد الثورة البلشفية وفي عهد الاتحاد السوفييتي قد شاركت في الحرب ضد ألمانيا النازية ودفعت ثمناً باهظاً من الضحايا لتحقيق الانتصار عليها ولتحرير الدول الأوروبية من الاحتلال الألماني النازي في الحرب العالمية الثانية وفي مقدمها فرنسا (1939- 1945)، وكان الجيش النازي قد ارتكب أبشع جرائم الإبادة بشعوب الاتحاد السوفييتي ومن ضمنها الشعب الأوكراني نفسه في ذلك الوقت وبلغ عدد ضحاياها ثلاثين مليوناً، لكن التاريخ بدأ يقلب بسرعة تلك الصفحات ويقدم في هذا القرن ألمانيا كدولة تسعى للاستفراد بروسيا الاتحادية بدعم ومشاركة مباشرة من الدول الاستعمارية التاريخية التي قاتلت ألمانيا في حربين عالميتين، وتعدها الآن شريكاً في مشروع حرب عالمية ضد روسيا الاتحادية والصين ومعظم شعوب العالم التي تحررت من الهيمنة الإمبريالية في القرن الماضي، بل إن ألمانيا الجديدة القديمة أصبحت أكبر ثاني دولة بعد الولايات المتحدة في نقل السلاح والعتاد لأوكرانيا التي قبلت قيادتها أن تكون بوابة الجبهة الإمبريالية – الألمانية في الحرب على روسيا، وأن يتحول جيش أوكرانيا إلى وقود هذه الحرب بأيدي ألمانيا الحالمة باقتسام المستعمرات والنفوذ عن طريق دماء الآخرين هذه المرة وليس باستخدام جيشها الذي هزم مرتين في حربين في القرن الماضي.
وكانت زيارة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي قبل يومين إحدى محطات الحصول على أحدث الأسلحة الألمانية التي لن يستخدمها الجيش الألماني الذي يتولى دور الخادم للنظام العالمي الأميركي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بهدف الحصول على حصة من غنائم هذا النظام الإمبريالي.
لكن السؤال الذي باتت الإجابة عنه تحتل أهمية في رؤية مستقبل العالم بعد هذه الحرب على روسيا هو، هل سينجح الغرب بفرض شروطه ونظامه العالمي على روسيا والصين؟
قبل شهرين تقريباً نشر معهد «الحرب الحديثة» تحليلا بقلم كيفين بينسون عرض فيه الأهداف العلنية التي أعلن عنها الرئيس الأميركي جو بايدين في أيار 2022 في سياسته لدعم أوكرانيا في الحرب ضد روسيا، ويتبين من هذه الأهداف أن واشنطن ستفرض على جميع الدول التي تتشارك معها في دعم أوكرانيا شروطاً لا يجب التخلي عنها من الدول الحليفة عندما تظهر فرصة التفاوض على حل تكون فيه روسيا ضعيفة إلى درجة تصبح فيها قابلة للموافقة على الحل المفروض، حسب الاعتقاد الأميركي، ويشير بينسون إلى أن إدارة بايدن تضع في حساباتها إمكانية التفاوض مع روسيا على وقف الحرب، وهذا يعني بلغة واضحة أن التحالف الغربي يدرك أن حربه ضد روسيا لن تمكنه من تحقيق الحسم القاطع فيها، ولا فرض جميع الشروط الغربية فيها، لأن روسيا دولة كبرى نووية ويستحيل تحقيق أي نصر حاسم عليها ولا تتيح المواجهة معها إلا تحقيق الحل الوسط، أو أن تفرض روسيا هي الحل الحاسم في داخل أوكرانيا وتنتهي الحرب.
وبعد رؤية تطورات هذه الحرب في ميدان عملياتها على الأراضي الأوكرانية منذ اندلاعها ضد روسيا قبل أكثر من عام، يبدو أن عوامل الضعف في اتخاذ القرارات والتوازن بين قادة الجيش والقيادة السياسية الأوكرانية بدأت تختل ويصيبها الارتباك، وهذه الظاهرة غالباً ما تظهر عند الخصم أو العدو الضعيف في هذه المواجهة وهو أوكرانيا ومؤكداً ليس روسيا، وبالتالي فإن النتيجة المحتملة لتفاعل هذه الظاهرة خلال الفترة المقبلة ليس من المستبعد أن تظهر على شكل نزاع داخل فريق زيلينسكي الذي يدير هذه الحرب لمصلحة الغرب، وبالإضافة إلى هذا العامل فليس من المستبعد أيضاً أن يدرك الجمهور الأوكراني نفسه في النهاية ومع استمرار هذه الحرب ونتائجها الكارثية أن من بقي في أوكرانيا ولم يهاجر إلى أوروبا هو الذي يدفع ثمنها وليس أولئك الذين فروا إلى أوروبا، علماً أن ما يزيد على عشرة ملايين أصبحوا يقيمون في أوروبا ويعيشون بأمان ومن دون أعباء الحرب والقتال، ومع كل هذه العوامل لن تتمكن ألمانيا والولايات المتحدة من تحقيق ما تسعيان إليه من اقتسام للنفوذ والمصالح الإمبريالية.