ثقافة وفن

«أكاديمية الضحك»… محاولة مسرحية مميزة تنير عتمة المسرح السوري … لجين إسماعيل لـ«الوطن»: جمهورنا جمهور مسرحي بامتياز وهو أساس لما نفكر به

| مايا سلامي - تصوير مصطفى سالم

تجربة مسرحية حقيقية استضافتها خشبة مسرح القباني في دمشق الذي غص بالحشود التي أتت من كل حدب وصوب متلهفة لمشاهدة العرض الثاني من مسرحية «أكاديمية الضحك» تأليف كوكي ميتاني، إعداد وإخراج سمير عثمان الباش، تمثيل لجين إسماعيل، كرم حنون.

وفي مشهد رائع افتقده المسرح السوري لسنوات طويلة نفدت التذاكر منذ اللحظات الأولى وامتلأت صفوف المقاعد بالجماهير المحبة للفن والمسرح، ومنهم لم يجد لنفسه مكاناً فاختار متابعة العرض وهو واقف على قدميه من دون أن يحرمه ذلك من لذة المشاهدة.

وعلى مدار ساعتين أمتع العرض الحشود بروحه الخفيفة وفكاهته الطريفة التي اعتمدت على كوميديا الموقف والحوار بعيداً عن التهريج والمبالغة، فأضحك المتابعين من أعماق قلبهم وما كادت ستارة النهاية تنسدل حتى اهتزت القاعة بالتصفيق الحار، فكانت هذه المسرحية بمنزلة بقعة ضوء صغيرة أنارت عتمة المسرح السوري.

حالة صراع

وفي إطار من الكوميديا السوداء عكست هذه المسرحية واقع الكاتب المسرحي السوري وما يعانيه في ظل الرقابة الشديدة والصارمة التي تقتل روح التميز والإبداع، وتعزز قوالب وشعارات نمطية ومكررة فترفض كل ما هو مبتكر وجديد وتضعه في دروج وصناديق أشبه بالتوابيت التي تدفن فيها الأحلام والتي كانت الأساس في ديكور هذا العرض المسرحي.

ونجح المخرج سمير عثمان الباش بتكييف نص السيناريست الياباني كوكي ميتاني مع الواقع السوري من خلال التلاعب باللغة والمحافظة على روح الفكاهة القائمة بين البشر، والتي كانت حاضرة بقوة في العلاقة الطريفة التي نشأت بين الرقيب والكاتب.

حيث تجسد المسرحية حالة صراع بين كاتب مسرحي يريد الحصول على موافقة رسمية لإخراج مسرحيته الكوميدية الجديدة التي حملت عنوان «جوليو ورومييت»، وبين موظف الرقابة البيروقراطي التقليدي والبعيد كل البعد عن الفن والمسرح الذي يرفض إعطاءه الموافقة على عرض مسرحيته متذرعاً بحجج عديدة وأن الناس ليسوا بحاجة لأعمال كوميدية تضحكهم في ظروف الحرب الكونية والحصار الاقتصادي الخانق.

فيضطر الكاتب تحت ضغط المراقب لحذف العديد من المواقف المضحكة وإدخال جمل حماسية، واستبدال شخصية البطل «روجيو» بـ«هاملت»، وإقحام شخصية الشرطي «أبو صقر» الذي يعتبره المراقب بطلاً إيجابياً بناء على محسوبيات خاصة، ورغم أن كل ذلك لا يتماشى مع نص المسرحية المقتبس عن «روميو وجولييت» لشكسبير إلا أن الكاتب يؤدي مهمته بدهاء ليبين سذاجة المراقب في النهاية.

وعلى امتداد سبعة فصول تتصاعد الأحداث وتزداد تنازلات الكاتب ظاهرياً وتتفاقم شراهة المراقب لاستغلال المسرحية لتمرير الأفكار السائدة والشعارات المعتادة، ولا يكتفي المراقب بفرض شخصية الشرطي المعاصر بل يطلب إدخال دورية شرطة كاملة حتى تصبح هذه الدورية في النهاية هي المؤثرة في الأحداث وليس الشخصيات الرئيسة، ولكن الغريب في هذا الأمر أن نص المسرحية التي أراد المراقب تحويله إلى عمل حماسي جاد كان مع كل تعديل أو إضافة جديدة يصبح مضحكاً أكثر من السابق، وهذا ما شكل صدمة له عندما وجد نفسه شخصية مضحكة في هذه الكوميديا الواقعية العبثية.

ويزداد العرض ظرافة وخفة عندما يبدأ المراقب بالتعاون مع الكاتب على تعديل النص وتمثيل بعض الأحداث، ومرة بعد مرة يتحول من شخص بعيد كل البعد عن الفن إلى شريك في صناعة الكوميديا وكان في ذلك إشارة إلى قدرة الفن على إيقاظ روح الإبداع في أقسى وأعند القلوب.

جمهور مسرحي

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» بيّن الفنان لجين إسماعيل أن «جمهورنا جمهور مسرحي بامتياز ونحن نستمتع بوجوده ونسعد في مثل هذه الحالات من اللقاء، وعندما نقدم عملاً لأكثر من مرة يكون ذلك بسبب رغبة الجمهور الذي أعتبره الأساس لكل شيء نفكر فيه».

وقال: «نحن نتعامل مع شخصيات المسرحية على أنها موجودة في الحياة الواقعية، والناس هم الأقدر على تقييم مدى واقعية هذا النص، حيث حاولنا تسليط الضوء على الواقع من خلال المسرح بطرح هذه الفكرة التي لا يسعني الكلام عنها وأتركها لرؤية ووجهة نظر كل مشاهد، وأتمنى أن يكون العرض قد نال إعجاب الجميع».

وأكد أنه لم يكن الهدف من هذه المسرحية توجيه النقد الذي لا يعد من واجبات المسرح على الإطلاق، فهناك قسم كامل في المعهد العالي للفنون المسرحية اسمه «قسم النقد» وهو يختلف تماماً عن قسم المسرح والتمثيل المتعلق بالأداء وتقديم فضاءات مسرحية.

عمل مهم

وأشار الفنان كرم حنون إلى أن هذه المسرحية طرحت فكرة تعود لكل الأزمان وأي عمل مسرحي يسلط الضوء على حالة اجتماعية نعيشها اليوم هو عمل مهم، مشيراً إلى أن الرسائل التي تضمنتها المسرحية أعمق من فكرة واقع الكتّاب والرقابة وإن دل العنوان العام على ذلك.

وقال: «ما شجعنا على إعادة العرض هو الجمهور الذي حضرها في المرة السابقة عندما عرضناها على مدى ثلاثة عشر يوماً في مدرسة الفن المسرحي، حيث طالب عدة مرات بإعادتها، إضافة إلى أننا، نحن الممثلين، أحببنا هذا العمل ولا أعتقد أنه من الممكن أن أملّ هذا النص مهما قدمته لأنه لمسني ولمس شخصيتي وطورني كممثل وإنسان».

وأضاف: «وأرى أنه من الجميل أن يكون لي دور في إسعاد الآخرين فالمسرحية فيها طابع كوميدي أضحك الناس وجعلهم يتأثرون سلباً أو إيجاباً وهذا يعطيني دافعاً لأقدم المزيد».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن