ما إن انتشرت صور الملياردير الأميركي «إيلون ماسك» وهو يراقصُ امرأةَ أحلامهِ التي قام بتصميمها عبر الذكاء الاصطناعي حسبَ ما يرغَب، حتى انهالت التعليقات على الحدث، فمجاميع الرجال وجدت بهذهِ الثورة التقنية فرصة هامة للتخلص من «نكد النسوان» أو تطلبهم الذي لا ينتهي، البعض اطمأنَّ فوراً أن مسؤولةَ التصميم ليست امرأة كي لا تنسى أدقَّ التفاصيل التي لا ينتبه إليها الرجل عادةً بما فيها العبارة الأنثوية الأكثر غموضاً: (لا تنسى كيس الزبالة).
أما معشر النساء فهنَّ كذلك الأمر وجدنَ في الحدث فرصة قد لا تتكرر لإظهار بعض المناوشات ضد الرجل، فالجمعيات النسوية التي ما زالت تناضل لكننا لا نعرف من أجل ماذا؟ وجدت بالحدث انتقاصاً من قيمة المرأة، فالمرأة لا تحتاج لذكاءٍ اصطناعي لأنها تمتلك ذكاء طبيعي لا يجب التقليل منه، علماً أن أحداً لم يقلِّل منه لكن اعتراضات هذه الجمعيات عادةً ما تكون كما خطابات بعض المسؤولين إما معدة مسبقاً أو مطبوعة عن خطاباتٍ سابقة، بعضهنَّ طالبنَ المباشرة بصنع رجلٍ عبرَ الذكاء الاصطناعي انطلاقاً من المساواة بين الجنسين ولكي تكون المرأة كما يفعل الرجل قادرة على اختيارِ شريكِ أحلامها، هذا إن كانت تمتلك أحلاماً من أساسه مع الرجل لأنه وحسب النسويات فإن أحلامهنَّ يجب أن تكون خارج سلطةَ الرجل طبيعياً كان أم اصطناعياً أو حتى تمثالاً!
كذلك الأمر لم يمر الحدث من دونَ تعقيبٍ من أولئكَ الذين يظنون أن اللـه لم يهدِ سواهم، فهاجم بعضهم إيلون ماسك معتبرين أن هذا الأمر تجاوز للخطوط الحمراء وراحَ بعضهم إلى المكان المتوقع، ففي الوقت الذي انشغلَ وينشغل فيهِ العالم بما قد يتسببه الذكاء الاصطناعي من مشاكل وما قد يحققه من انجازات كانوا هم يجيبون عن السؤال الأصعب:
هل الزواج من امرأة كهذه حلال أم إنه حرام والعياذ بالله؟!
وحدهُ المواطن البسيط في هذا الشرقِ البائس جلسَ فعلياً يتابعُ بحسرةٍ ما وصلَ إليه العلم، بينما هناك جهات حكومية في بعضِ دول هذا الشرق تفاخرُ بافتتاحِ موقعٍ الكتروني لوزارة ما! هذا المواطن الذي لم يعد يعرف معنى عبارة «التفكير بالزواج» ولا حتى المساواة إلا من مبدأ «جميعنا في القهر واحد» استرقَ الوقت من ويلاتِ التعب ليفكِّرَ كيفَ يمكن لهذا الذكاء الاصطناعي أن يساعدنا على ما ابتلانا اللـه بهِ من حلولٍ حكومية لا تنجح، خطط لا يتمُّ تنفيذها، وعود مكررة لا معنى لها، هل يمكننا يوماً أن نرى حكومةَ ذكاء اصطناعي تشيل عن كاهل المواطن في هذا الشرق آلام الفشل الحكومي؟ هل يمكن لهذا الوزير المعمول بتقنيةِ الذكاء الاصطناعي أن يستقيل إن فشل، أن يعتذر إن أخطأ، أن يسيرَ بلا مواكبَ يكفي مصروفها الشهري الحاجة لإطعامِ سكان شارعٍ بأكمله، لم يأخذ وقتاً طويلاً في الحلم؟ استيقظ هذا الفقير من كابوسٍ بقي لثوانٍ معدودة شاهد فيهِ امرأةَ الذكاء الاصطناعي تجلس خلف مكتبها وهي تدخن سيجارتها مع العلم أن التدخين في الأماكن العامة ممنوع، وبجانبها عشرات الأضابير المتوقفة لأسبابٍ مجهولة! عادَ إلى الواقع وتذكرَ أن الذكاء مهما كان اصطناعياً فإن هناك أصابع بشرية هي من تحدد كل شيء على طريقةِ أتمتةِ الحقوق والواجبات.
في الخلاصة: مهما كان الذكاء اصطناعياً في هذا الشرق فلن يحل أزمة غياب الضمير!