ثقافة وفن

هشام شربتجي طراز مختلف

| إسماعيل مروة

رحل عن هذا العالم بجسده المخرج السوري الكبير هشام شربتجي، وبقي منجزه الفني والإبداعي حاضراً ودالاً على العبقرية، وبقيت أسرته واكتشافاته لاستمرار التجربة، وبقي حاضراً سيد مدرسة في الإخراج الكوميدي، الجميع يعملون على السير في نهجها، وحين حصره الكثيرون في مجال الكوميديا أثبت هشام شربتجي أستذته في عدد من الأعمال الباقية في الوجدانين الدرامي والسوري، ولعلّ من أهمها (المفتاح) العمل الإشكالي الذي قدّمه ببراعة في وقت مبكر.

فهل كان الأستاذ هشام شربتجي مخرجاً كوميدياً أو درامياً؟ المخرج الكبير كان مبدعاً قبل كل شي، كان كتلة من الإبداع غير المحدود، ولعلّ كثيرين لا يحفظون ما قدمه الراحل الكبير، وأذكر أن صديقيه الراحلين نذير عقيل ومروان قنوع أول من تجرأ على استديو الهواء الإذاعي، وكنا على موعد صباحي مع المخرجين بتوقيعهما، وهما أول من أدخل النصوص التمثيلية في البرامج المباشرة الإذاعية، وبرشاقة وخفة دم ومهنية عالية، ثم عمد كل واحد منهما إلى يوم خاص يحمل توقيعه، وفي أيام يشتركان في تنفيذ «معكم على الهواء»، والذي بقي مدة طويلة وبتنفيذ مخرجين مهمين آخرين.. ولم يتوقف هشام شربتجي عن الإذاعة إلا عندما بدأ مشروعه التلفزيوني، وجذبه التلفزيون، وفي فورة الإنتاج التلفزيوني الخاص والعام في تسعينيات القرن العشرين أنجز المخرج الراحل عدداً كبيراً من الأعمال الكوميدية الراقية والبسيطة، وذات موقع التصوير الواحد، ومع هشام شربتجي بدأت الكوميديا السورية نهضة جديدة تتابع ما أنجزه الكبار دريد لحام ونهاد قلعي وخلدون المالح، فبعد ما أنجزه الرواد لم نعثر على بصمة كوميديا تخص الإنتاج السوري إلا بمجيء هشام شربتجي، صاحب العين الملاحظة والحركة الرشيقة، والإبداع في التوليفة الإخراجية.. واليوم عندما تعرض الشاشات شيئاً من أعماله فإنك ومن دون وجود شارة، ومن دون أدنى عناء تعرف أن هذه الهوية خاصة بهشام شربتجي الذي شكل منهجاً في الكوميديا يجمع الحركة والكلمة والموسيقا والموقف في شراكات مع النجوم الكبار، وقد استطاع بخبرته أن يكرّس نجوماً من الجيل الجديد بالنسبة له، وكل من عمل معه كان يعمل وفق رؤيته ومدرسته، وبعد ابتعاد الأستاذ هشام لم نعد نعثر على الكوميديا السورية الخفيفة والهادفة، والناقد يعلم أن هشام شربتجي بخبرته ملك القدرة على تحويل النص العادي إلى نص جميل، فذائقته وخبرته كانتا كفيلتين بتنفيذ ما يريد والمراهنة عليه.

وفي الدراما أسهم هشام شربتجي في أعمال جادة، وهذا لا يعني أن الكوميديا غير جادة، وقدم أعمالاً غاية في الأهمية لم تخل من لمسات كوميدية ساخرة، وأحياناً سوداء، لتؤكد بأن مفهوم الكوميديا عند المخرج خيار وليس شكلاً فقط بعد رحلة مع الحياة بكل صنوفها.

وبعد معاناة مع المرض يرحل مخرجنا الكبير، يرحل تاركاً إرثاً تعجز عنه مؤسسات، ترك إرثاً فنياً لم يعرف أنصاف الحلول في الإخراج، خرج من ثوب الإذاعة والمونولوجات، ليقدم الدراما والكوميديا بإحساس أعلى مما يتمكن منه، لم يعش الصوت وأهميته، والموسيقا وتأثيرها.

إجماع من الفنانين على مكانة هشام شربتجي وأستذته التي لا جدال فيها، وهذا الإجماع يدل دلالة قاطعة على أن مخرجنا من طراز مختلف وفريد، من الصعب أن يتكرر إبداعاً وفناً وشخصاً.. كل العزاء لأسرته وللدراما السورية ومبدعيها.. ولكل من يتذكر جهوده في تطويره للإذاعة، لم نعرفه قبله وقبل صديقه الذي ينتظره في دار الأبدية.

رحل نذير عقيل وهو أحد أهم الإعلاميين السوريين والعرب، وهو الذي أحدث قفزات إعلامية غاية في القيمة والأهمية.

وبعده رحل مروان قنوع أبو محمد الطيب، تاركاً الاستديو يسأل عنه وعن خفة ظله، وسرعة أصابعه، وضحكته الطيبة المجلجلة.

وها هو هشام شربتجي بعد أربعين عاماً على مغادرته استديوهات إذاعة دمشق، حاملاً الكاميرا التي تسلّح بها أكاديمياً في القاهرة، بعد أربعين عاماً مع مغادرته استديو الإذاعة يلحق برفيقيه نذير ومروان ليختم سيرة كبار في الإعلام السوري المسموع والمرئي، فإلى رحمة الله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن