اقتصاد

قبل كل شيء

| فراس القاضي

أي تطور سياسي يحصل في بلد ما، من الطبيعي أن يترجم من الناحية الاقتصادية، لأنه الأكثر أهمية بالنسبة للناس وحياتهم اليومية، وهذا طبيعي جداً في الأيام والحقب العادية، فكيف بعد 12 عاماً من الحرب، وثلاثة أعوام من الفقر والقلة والضيق الذي أشك بوجود مراكز دراسات أو أكاديميات أو خبراء بإمكانهم تحليل أو دراسة أو توصيف طريقة استمرار حياة الناس خلاله؟

يكثر الحديث حالياً، أو بتوصيف أدق، تكثر الأمنيات بانفراجات اقتصادية تنتج عن الانفتاح العربي الأخير على سورية، وخاصة بعد القمة التي تبدأ أعمالها غداً الجمعة في المملكة العربية السعودية، وهنا لا بد من طرح عدة أسئلة ليس حول موعد ولو تقريبياً للبدء بهذه الاستثمارات، بل هناك عدة أمور أسبق وأهم، منها: هل لدينا البنية التحتية والبيئة الاستثمارية المناسبة لمشاريع كبرى؟

وأقول كبرى لأن الانتعاش المأمول غير ممكن التحقيق بمقدراتنا الوطنية، ويحتاج لاستثمارات كبرى من خارج البلاد، فهل لدينا موارد الطاقة الكافية بكل أشكالها؟ الأمان الاستثماري الذي تضمنه القوانين بشكل حقيقي وليس نظرياً؟ دراسات تفصيلية للمشاريع المطلوبة التي من شأنها دعم الاقتصاد والمواطن السوري المنهكين؟

سأفترض أن المستثمر يعلم بكل هذا، بل سأفترض أيضاً أن لديه بدائله الخاصة التي ستغنيه عن الاعتماد على مواردنا، سأفترض أيضاً أن قانون الاستثمار الجديد 18 مرن وحضاري وعصري ولا يفوته أي تفصيل، بل سأبالغ وأفترض أن العقوبات الدولية سترفع، وأن المستثمرين العرب سيتوافدون بالآلاف للاستثمار في سورية، لكن.. هناك ما هو أهم من كل ما سبق، وهو الذي – منطقياً – سيمنع أي مستثمر من إقامة مشروعه في سورية: القوة الشرائية المتدنية جداً للمواطن السوري.

آخر التقديرات للمنظمات التي نرفض الاعتراف بتقاريرها ونصفها جميعها بالمضللة والسياسية، تقول إن 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، لنفرض أنهم بالغوا بعشرين بالمئة، وأن الرقم الحقيقي 70 بالمئة، ولمن لا يعرف معنى خط الفقر، فهو المستوى الأدنى من الدخل الذي يحتاجه الفرد ليتمكن من الحياة باليوم، وهو يصدر عن البنك الدولي، وقد تم تعديله عام 2022 ليصبح 2,15 دولار باليوم، بعد أن كان 1,90 دولار، أي وفق دولار مصرف سورية المركزي، وبحسب معدل أفراد الأسرة السورية (خمسة أفراد) يكون المبلغ المطلوب لتكون الأسرة عند خط الفقر (2,612250) ليرة في الشهر للأسرة.

الحديث لا ينتهي هنا، بل يأخذنا إلى منحى آخر من التفكير، وهو أن تكون الاستثمارات المأمول تنفيذها في سورية هي الاستثمارات ذاتها التي نراها منذ سنوات، والتي لم تتوقف حتى في أحلك سنوات الحرب: الاستثمارات الموجهة للطبقة الثرية الموجودة أساساً، والطبقة التي لحقت بها بعدما أثرت من الحرب ومن جوعنا وبردنا ودمائنا.

إن كانت كذلك، فنعم، نستطيع أن نؤكد أنه ما يزال بالإمكان افتتاح مئة منتجع، وألف مطعم، وعشرة آلاف (كافيه)، ومئة ألف محل ألبسة، ومهما حاولنا اللعب على الألفاظ، يبقى اسمها استثمارات، لكن بالتأكيد ليست للسوريين، بل لقسم قليل جداً منهم، وهو أساساً قسم لا يحتاج لاستثمارات، لأنهم يحصلون على ما يريدونه داخل سورية وخارجها.

هذا ما نخشاه، وما نتمنى ألا يحدث باسمنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن