ليس ثمة اختلاف على العجز الحقيقي عن قدرة كثير من الموظّفين والعاملين على توفير التكاليف المعيشية اليومية، الأمر الذي يجعل الاتحاد العام لنقابات العمال في اجتماع مجلسه قبل أيام يثير مسألة ضعف الرواتب والأجور وكذلك تصريح رئيس الاتحاد بكل صراحة وجرأة وأمام الحكومة مجتمعة بأن الراتب لا يكفي الموظف يوماً واحداً.
وليس ثمة اختلاف أيضاً على أن واقع الحال يتسبب يوماً بعد يوم باتساع الفجوة بين الحكومة والقاعدة الشعبية الكبيرة واهتزاز الثقة بها والنظر إلى كل ما تقوم به بمنظار العجز والفشل من خلال عدم التغلب على هذا الواقع الذي بات يفوق بكثير القدرة على الاستمرار بالحياة. لكنّ ثمة سؤالاً مشروعاً: هل المشكلة هي في رفع الرواتب فقط.؟ وما هي نسبة الزيادة إذا تمت؟ وهل ستكون قادرة على تجاوز هذا الواقع؟
الاختلاف هنا لا يفسد المطالبة بزيادة الرواتب لأنها أضعف الإيمان، لكن أي زيادة لن تكون الحل الأمثل، ولذلك نلاحظ أن البعض بات يعمل في وظيفتين لدى الجهات العامة والخاصة نتيجة الأزمة المعيشية التي تفاقمت كثيراً، والبعض الآخر ممن يطالب بزيادة الرواتب يدرك أن زيادة رواتب العاملين ليست الحل لمواجهة تضخم الأسعار، ذلك أن أي زيادة سيبتلعها الغلاء المعيشي وأننا بالمحصلة نأخذ من مكان لنعطي مكاناً آخر.
بعض الآراء تنظر إلى الأمر من زاوية أخرى بأن أصل الحكاية أن تحصل على أجر مناسب مقابل مهاراتك أو خبرتك وبشكل عام أن يكون الراتب عادلاً وأن يكون التفكير والمطالبة به وفقاً للمقاييس الموضوعية وليس العواطف.
لكن عندما نقول إن المعضلة ليست في الرواتب فقط فإن ذلك يرتبط بشكل طبيعي بتحسين جودة الخدمات وتخفيض رسومها وتوفير جميع الخدمات للمواطنين بالأسعار نفسها، لذلك كان جزءاً من تصريح رئيس الاتحاد العام للعمال جمال القادري يركز على إعداد خطط تنموية واقتصادية لتطوير القطاع الإنتاجي والإسراع بتأهيل المعامل والشركات، ومن الطبيعي أن ثمة أسباباً وعوامل بات المواطن يدركها وهي أحد العوامل التي تسببت في هذا الواقع المعيشي ومنها سرقة الثروات الوطنية ولاسيما النفط والغاز والحبوب، ولا يزال الاحتلالان الأميركي والتركي يسيطران عليها وإلى أن يزول الاحتلال وتستعيد المنطقة الشرقية عافيتها يجب أن يتوافر الفهم المشترك ويتقاسم الجميع المسؤوليات وفي مقدمتها التفكير والعمل على تحسين الوضع المعيشي ليس من خلال زيادة الرواتب فقط لأنها ليست الحل المأمول لتجاوز عجزنا عن توفير الاحتياجات الأساسية للاستمرار بالحياة، لكنها تبقى مطلباً ملحاً لأنها في ضوء واقع الحال تبقى أضعف الإيمان.