اقتصاد

ما الذي قدمته مسابقة التوظيف المركزية للمؤسسات الإنتاجية؟ … رزق لـ«الوطن»: «التنمية الإدارية» غالت بشروط التوظيف التي تعوق العمل الإنتاجي

| جلنار العلي

لا تكاد تخلو تصريحات مديري المؤسسات الإنتاجية الحكومية من عبارة «لدينا نقص كبير باليد العاملة»، وذلك بعد مرور أقل من عام فقط على نتائج المسابقة المركزية التي أقامتها وزارة التنمية الإدارية، على الرغم من أن هذه المؤسسات دوناً عن غيرها يفترض أن تكون هي المسؤولة المباشرة عن الأوقات المناسبة للتوظيف وغير ذلك من الأمور المتعلقة بخصوصية كل مؤسسة، فالسؤال الملحّ هنا، هل أدت المسابقة المركزية إلى نقص العمالة في المؤسسات الإنتاجية؟ وما تأثير ذلك في الإنتاج والصناعة في سورية ولاسيما بالنسبة للقطاع الحكومي؟

شروط لا منطقية

الخبير التنموي ماهر رزق، بيّن في تصريح لـ«الوطن» أنه قبل أن يتم تنظيم العمل الحكومي في العام 2001، كانت المؤسسات والوزارات تتولى مهمة التعيين بمفردها، حيث كان يوجد مرونة لدى صاحب القرار، إلا أن هذا الأمر كان له سلبياته أيضاً، حيث أدى إلى وجود تكتلات ومحسوبيات في التعيين، ولكن عندما أنشأت الدولة مكاتب التشغيل، صار هناك نظام يسمى بالترشيح المركزي، ونجح ذلك في الكثير من القطاعات الإدارية، ولكن لم ينجح في القطاعات الإنتاجية التي تتطلب عمالاً بمواصفات معينة.

وتابع: «لتقوم بعد ذلك وزارة التنمية الإدارية بتقديم حلول، لم تكن عملية برأيي، لأنها غالت بشروط التوظيف غير المنطقية والتي لا تنطبق على أحد، ناهيك عن صعوبات تتعلق باللغة وامتلاك مهارات استخدام الحاسوب، وهذا مهم لتطور الجهاز الإداري، ولكن ليس في ظل الأجور الحكومية المنخفضة، لذا يمكن اعتبار هذه الشروط تعجيزية تعوق العمل الإنتاجي، والدليل على ذلك أن كثيراً من المؤسسات الإنتاجية لم يتقدم لها أحد».

جهل بتفاصيل المؤسسات

واعتبر رزق أن عدم وجود أذرع ومديريات لوزارة التنمية الإدارية في المحافظات، زاد الوضع سوءاً، من خلال اعتمادها على لجان مركزية من المحافظة ذاتها لا تستطيع دراسة احتياجات كل المؤسسات والغرق في جميع التفاصيل، لذا لم تتمكن الوزارة من القيام بإجراءات مركزية بطرق مرنة، مشيراً إلى أنه من المهم جداً وجود مسابقات لا مركزية تترافق مع الرقابة الشديدة على آليات التوظيف، كي لا تتحول هذه المسابقات إلى ملكية خاصة لأصحاب القرار.

وفي السياق، طالب رزق بإعادة النظر بنظام التعيين في سورية، والفصل بين القطاع الإداري والقطاع الإنتاجي الذي يجب أن يفكّر مثل رجال الأعمال والتجار دون تقييده بنظام إداري صارم، علماً أن شركات القطاع العام لن تنجح إلا إذا تحولت إلى شركات مساهمة عامة، وذلك أسوة ببعض الدول كالجزائر ومصر.

مراعاة الخصوصية

من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي محمد كوسا في تصريح لـ«الوطن»، أن أي مؤسسة لديها عمل إنتاجي لها خصوصية سواء بالإنتاج أو بالكوادر المدرّبة، لذا يجب مراعاة هذه الخصوصية، وبالتالي فإن الكوادر التي تتلمذت على يد خبراء يجب أن تكون هي المسؤولة عن انتقاء الكوادر الجديدة، كونها أقدر على معرفة من هم أنسب لمواقع العمل الإنتاجية، فكان يفضل عدم الخوض في تجربة المسابقة المركزية.

ليسوا طلاب مدارس

وأشار إلى أن المسابقة المركزية التي جرت لم يكن فيها ما يمكّن من اختيار الكوادر المناسبة للقطاعات الإنتاجية بمختلف أشكالها، وخاصة أن الشهادة العلمية في مثل هذه الأماكن لا تعني أبداً، فقد تم وضع معايير عامة وقليلة غير قادرة على فرز الأشخاص بالمواصفات المطلوبة على الأنشطة الإنتاجية، فكانت المسابقة من خلال إجراء امتحان كتابي وشفهي لتكون العلامة هي الحكم الأول والأخير، وهذا لا يفيد باعتبار أن المتقدمين ليسوا طلاب مدارس، وإنما هم كوادر ستدخل إلى قطاعات اقتصادية ومشاريع إنتاجية تعطي نتائج حقيقية وخاصة في ظل هذه الظروف التي لا يوجد فيها وقت لتدريب أشخاص غير مؤهلين.

وأضاف: «كان من المفترض تجزئة المسابقة المركزية، وإجراؤها على مراحل، وأن تكون مركزية في كل وزارة على حدة، كأن تكون وزارة الصناعة على سبيل المثال مسؤولة عن كل مسابقات التوظيف الخاص بالمؤسسات التابعة لها».

200 مهنة مهددة بالانقراض

وفي سياق متصل، بيّن كوسا أنه لم يصدر أي قرار بإلغاء مكاتب التشغيل التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، لذا كان من المفترض أيضاً مراجعة طلبات التوظيف المقدمة باعتبارها قائمة بيانات، إضافة إلى أن مهمة التوظيف وحل مشكلة العمالة، يجب ألا تقتصر على القطاع العام فقط، بل يجب أن تكون الحكومة قائدة للقطاع العام والخاص في آن واحد، لذا يجب توظيف الأشخاص الذين لا يوجد لهم شواغر في القطاع العام في شركات القطاع الخاص حسب احتياجات كل شركة، إذ يوجد في القطاع الخاص نحو 200 مهنة لديها نقص حاد بالكوادر وهي في طريق الانقراض حالياً، وهذا يعد مسؤولية حكومية أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن