شؤون محلية

إنعاش الضمان الصحي للمتقاعدين

| ميشيل خياط

أنعش رئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس حلم مليون متقاعد ممن هدهم غلاء الطبابة في سورية بالمقارنة مع رواتبهم الضئيلة، عندما قال في سياق مشاركته بأعمال المجلس المركزي لاتحاد نقابات العمال مؤخراً: هناك قريباً نص تشريعي بالضمان الصحي للمتقاعدين.

وأرى أن هذا الضمان، أهم بكثير من أي زيادة على رواتبهم وأجورهم الضئيلة، إذ لم يعد الراتب (100 ألف ليرة) يكفي ثمن الدواء لمدة شهر، علماً أن أغلب المتقاعدين ولاسيما ممن تجاوزت أعمارهم الـ65 سنة، يعانون من أمراض مزمنة، ويمضون حياتهم اليومية بين العيادات والمخابر ومراكز الأشعة والمشافي، في وقت لم تعد الطبابة مجانية 100 بالمئة في المشافي العامة وحتى في أقسام إسعافها على الرغم من وجود تشريع ينص على المجانية المطلقة للإسعاف، لكن المسعفين يطلبون اليوم من ذوي المريض إجراء بعض التحاليل الدموية لمريضهم خارج المشفى وشراء بعض الأدوية ومستلزمات العلاج من الأسواق.

يحدث ذلك في وقت فاقت فيه، تكاليف العلاج الطبي في سورية بالمقارنة مع راتب الـ100 ألف ليرة، الخيال العلمي في أكثر شطحاته جرأة.

ويجب أن ننوه، أن حلم الضمان للمتقاعدين، قديم. ولقد فوجئ أغلبهم بعد تقاعدهم بغيابه عنهم، فألحوا وطالبوا إلى أن تحدث وزير المالية قبل عامين ونيف، عن بوليصة تأمين صحي للمتقاعدين، بقسط شهري 8000 ل.س من رواتبهم وبدعم 90 بالمئة من الدولة، وتأمين بنسبة 100 بالمئة!!!

وأكد كلامه مدير عام الإشراف على الهيئة العامة للتأمين في شباط من عام 2021، منوهاً بأن التأمين الصحي سيكون إجبارياً، يشمل الجميع. وهذا منطق سليم لأن الحمل على الجماعة خفيف. وعندما يطبق التأمين على الجميع فإن القسط الشهري سيكون منخفضاً (طبعاً لم يعد الرقم 8000 ل.س وارداً الآن، بعد ارتفاع نسب التضخم المالي، ما أدى إلى انخفاض القيمة الشرائية للرواتب والأجور). ومهما ازداد القسط الشهري سيبقى رحيماً، بسبب كبر عدد المشتركين في مشروع التأمين الصحي، خلافاً للحالات الإفرادية الشائعة الآن، مثل حالة المعلمين المتقاعدين، إذ طُبق عليهم التأمين الصحي اختيارياً، فارتفع رقم القسط السنوي هذه السنة إلى 350 ألف ليرة سورية. وما من شك أنه لو طبق التأمين على جميع المعلمين المتقاعدين (وهم كثر) لكان القسط أقل.

مع ذلك فإن من اشترك ربح، لأن التعويضات جيدة تصل إلى خمسة ملايين ليرة في السنة.

ومن أبسط الأمثلة في هذا السياق أن عملية المي البيضا التي تصيب عيني أغلب المسنين، تكلف في المشفى الخاص مليوني ليرة سورية للعين الواحدة. والمؤمَّن عليه لا يسدد من هذا المبلغ إلا جزءاً من ثمن العدسة ونسبة ضئيلة جداً من تكاليف العمل الجراحي، أي إنه في أغلى المشافي يدفع 300 ألف ليرة سورية بدلاً من مليونين أو مليونين ونصف المليون ليرة سورية.

وبهذا المعنى فإن التأمين الصحي للمتقاعدين ضرورة قصوى ويعبّر عن تمسك المجتمع السوري بقيمه الأخلاقية والحضارية وأهمها الوفاء والعرفان بالجميل، ويجسد الحرص على الإنسان المسن في وقت ارتفعت فيه نسبة المسنين في المجتمع السوري.

لقد اتسم الأداء الحكومي بكثرة الوعود، وتأخر التنفيذ، لأسباب موضوعية أو ذاتية وأحياناً مبهمة.

ونرى أن الكرة الآن في ملعب الاتحاد العام لنقابات العمال، فالوعد قطع أمام مجلسه، وعلى هذا المجلس أن يشكل لجنة لمتابعة تنفيذ هذا الوعد يوماً إثر يوم، مع كل الجهات المعنية به حتى الوصول إلى الخاتمة الحلم لمليون مواطن ومواطنة من السوريين الذين تفانوا في السعي إلى رفعة وطنهم فالتأمين الصحي للمتقاعدين ضرورة قصوى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن