لا أدري لماذا أعود دائماً إلى دفاتري العتيقة فأختار ما كنت كتبته منذ سنوات ليكون فاتحة ما أريد الكتابة عنه مجدداً؟
اليوم أعود إلى كلام قديم قلته ذات يوم ربما قبل شروق الشمس، وقبل خروج العصافير من أعشاشها بحثاً عن رزقها المكتوب، وقبل ولادة أزرار الورد، و«هرهرة» الياسمين على شوارع العشاق في عاصمة العشق والياسمين دمشق، والعشق بدأ مع اللحظة الأولى لولادة البشرية، وكان أيضاً سبباً في ارتكاب أول جريمة قتل عرفها التاريخ البشري.
والعشق سيدرس في المدارس والأكاديميات والجامعات والشوارع في كل الأزمان، لا يعرف الأفول، ولا الذبول.
الكلام الذي قلته قبل شروق الشمس في يوم مضى، هو الكلام نفسه الذي يتكرر بصيغ مختلفة اليوم وغداً وربما بعد غد، فنحن نسأل عن معنى حياتنا، وما أسرار الحياة بالمطلق، في لحظة حرجة ينكسر الوقت، وتهرب الدقائق من ساعاتنا، ويصمت الكلام، وتهجم الظلمة من دون استئذان.
لكن… ماذا بعد الظلمة؟ وهل بعد الصحراء صحارى لا حدود لها من دون أمل حتى بحلم من سراب ونحن نقف على بوابة مدينة أتعبها التعب والوجع والسفر في مكان ليس كالأمكنة.. وزمان ليس مثل الأزمنة؟
نصف عمرنا التهمته الليالي، ونصفه الآخر ذهب في متاهات الحياة، ولو كنا منصفين لقلنا إننا نعيش بلا أي متعة وفرح وسعادة ما يعادل تسعين بالمئة من أعمارنا الحقيقية؟ هل تلاحظون كم نسرف من سنوات أعمارنا وخاصة في توافه الأمور ونشعل براكين الغضب والزعل أحياناً من دون سبب، أو لأسباب تافهة؟
أتعبتني الأيام وهدتني الأحزان ونالت مني الحياة، وتركت السنوات بصمتها على تكويني فصرت شبه إنسان يسير على الأرض يجر خيبات عمر مضى.
كلنا في سفر أبدي وكلنا أصدقاء الوجع ورشفة أمل وحزمة ضوء وكثير من العتم… مع «كمشة» أمل لا تفارقنا في أحلك الظروف.
النسائم الربيعية القليلة التي تعبر حياتنا تذيب بعض الجليد الذي تراكم على قلوبنا، فتنشر نوراً خاطفاً وخافتاً في ظلمة لفت الروح والنفس.
الأمل وحده الباقي من أسلحتنا الذاتية، والتفاؤل يبقى طريقنا نحو الغد الواعد الآتي.
في هذا الزمن.. يسألني الأصحاب: كيف لك أن تكون متفائلاً على الرغم من السواد الذي يتراكم أمام بوابتك وفي المشهد الممتد في كل المساحات حولك؟
أجيب: هل أعلن انتصار الأبالسة على الملائكة والظلام على النور والبشاعة على الجمال؟ وهل أرفع الراية البيضاء بعد مسيرة حياتي الصاخبة وأعلن هزيمتي وهزيمة جيلي قبل خط النهاية بأمتار قليلة؟
لن أعطي شرف هزيمتي لأحد، سأنتصر لنفسي ولجيلي وكل من يقف اليوم على بوابة حياة يصنعها الإنسان القوي وهو في أكثر حالاته ضعفاً، وقد بدأت ألمح نوراً ساطعاً في نهاية النفق.