من جمعية الاتحاد والترقي إلى داعش
تيري ميسان
تحولت احتفالية مرور قرن على المذابح بحق غير المسلمين في تركيا، إلى مهرجان للنفاق العالمي. ففي الوقت الذي كانت تشارك بعض الدول يريفان احتفاءها بذكرى ضحايا الإبادة، كشفت دول أخرى عن قلة حياء منقطعة النظير.
أولا، تركيا التي ارتكب فيها الأجداد الجريمة. كانت الفرصة متاحة للرئيس أردوغان كي يعترف بهذه القصة القديمة التي لا يتحمل وزرها شخصيا. ولو تصرف على هذا النحو لجعل من تركيا دولة طبيعية. لكنه أبى إلا أن يتشبث بأكاذيبه، نافيا القصة، مدعيا أن عدد الضحايا لا يتجاوز 100 ألف شخص، وأنهم قتلوا في أعمال إرهابية.
إذا مضينا مع هذا الهذيان فسنجد أن تركيا الحالية تعبر عن تأييدها للجريمة المستمرة التي ارتكبتها في السابق جمعية الاتحاد والترقي، والتي تتواصل ايديولوجيا مع النظام الحالي.
لقد صدمنا جميعاً مشهد مواكبة الجيش التركي لإرهابيي جبهة النصرة وهم يقتحمون العام الماضي مدينة كسب التي يقطنها سوريون أرمن. وكذلك حين أقدمت وحدة من الجيش التركي أيضاً على تلغيم النصب التذكاري في دير الزور الذي يجسد ذكرى إبادة أكثر من مئتي ألف أرمني داخل معسكرات أنشأها الأتراك عام 1916.
مشروع حزب «تركيا الفتاة» في الأمس يلتقي مع مشروع حزب «العدالة والتنمية» اليوم بسعيه نحو زعامة العالم السني، من خلال العمل على إنشاء دولة سنية متجانسة.
تطلب تحقيق هذا المشروع في الماضي إبادة المسيحيين (الأرمن، واليونانيين، والآشوريين- الكلدانيين) إضافة إلى اليزيديين. كلهم تعرضوا للإبادة في الماضي، تماما كما تبيد داعش المسيحيين واليزيديين في الوقت الحالي.
هي الحقيقة. منذ قرن من الزمن، وفي هذه المنطقة من العالم، لم يرتكب أحد مجازر إبادة جماعية إلا تركيا وداعش. وفي الوقت الحالي تقدم الأولى العون للثانية لاقتراف الجرائم عينها.
بعد ذلك تأتي إسرائيل كدولة أنشئت بنتيجة تفاهم بين واشنطن ولندن عام 1917، رغم زعمها أنها أنشئت كرد فعل على تعرض يهود أوروبا إلى الإبادة الجماعية على يد النازية بين الأعوام 1942-1945.
غيابها عن يريفان لتجنب إحراج حليفها التركي، كاف لإظهار حقيقة خطابها الذي لا يعدو عن كونه تبريرا دعائيا يخفي وراءه مشروعا استعماريا، واعترافاً بدور «الدونمه» ضمن «تركيا الفتاة».
وأخيراً، الولايات المتحدة التي عين رئيسها باراك أوباما السيدة سامانتا باور، مؤلفة كتاب «مشكلة قادمة من الجحيم: أميركا وعصر الإبادة الجماعية» سفيرة لبلاده في الأمم المتحدة.
في هذه الدراسة التي تنطلق من إبادة الأرمن والرد القانوني الذي حاول رافائيل ليمكين التقدم به إلى عصبة الأمم، تروي سامانتا باور رد فعل واشنطن حيال الجرائم التي ارتكبت في كمبوديا، والعراق، والبوسنة، ورواندا وكوسوفو.
بتلاعبها الوقح بلا حياء بالحقيقة التاريخية، أعفت سامانتا باور بلادها من مسؤولياتها، ودعت إلى تنصيب الولايات المتحدة سلطة أخلاقية في مواجهة كل إبادة جماعية.
مع ذلك، كانت سامانتا باور غائبة عن احتفالية يريفان، وكذلك كل مسؤولي بلادها.
إلى كل الذين لايزالون يعتقدون أن الولايات المتحدة قد تغيرت، وأنها تسعى حالياً بكل إخلاص لحماية المضطهدين بسبب معتقداتهم أو انتمائهم لعرق معين، نقول إن غياب أي تمثيل رسمي للولايات المتحدة عن يريفان دليل على أن واشنطن مجردة تماما من الأخلاق، تحكمها المصالح فقط.
أما ثرثرة السيدة سامانتا باور فلا وزن لها إلا حينما تسمح بإدانة أعداء الولايات المتحدة.
بغيابها عن يريفان، أثبتت واشنطن أنها تقف في صف جرائم تركيا وداعش.