من دفتر الوطن

الحكومة لا تتجمل!!

| عبد الفتاح العوض

لعل بعضكم ممن تقدم به العمر ما زال يذكر عنوان رواية إحسان عبد القدوس أنا لا أكذب، ولكن أتجمل، وهي الرواية التي تحولت إلى فيلم بطله أحمد زكي.

في التحليل النفسي يقال إن السبب الأكثر شيوعاً للكذب الخوف من الصدق.

لكن لأن جهات حكومية لا تخاف من أحد فهي لم تعد تكذب.. والمعضلة المدهشة أنها حتى لم تعد مضطرة لتتجمل.

ليست مضطرة لقليل من المجاملة، ولا حتى مراعاة مشاعر الآخرين.. أكثر من يستطيع أن يلمس ذلك الذين يشتغلون بمهنة الإعلام.. فكل معلقات النقد لا قيمة لها.

ففي السابق كان التلميح كافياً ليحدث أثراً ما، في حين الآن لا يمكن بكثير من التصريح الفج والتكرار الممل إحداث فارق ما، فالمسؤول يدندن دوماً «مش فارقة معاي»، تسأله لماذا ترتفع الأسعار؟ يقول لك لعبة تجار.. إن سألته لماذا ترفعون منتجات القطاع العام؟ يقول لك زيادة تكاليف.. لماذا يرتفع الدولار؟ يقول لك مضاربة والطلب أكثر من العرض.

لم تعد الإجابات تلبس أي قناع أو تضع أي نوع من المكياج.. هي هكذا إجابات غير خجولة أبداً!!

أليس هذا ما تطالبون به؟!

بما أننا نعرف أن المواطن يعي المشاكل ويعرف حدود وإمكانية الحلول فلماذا لا نقول له: هذه الإجابات بلا تجميل أليس ذلك أفضل له؟

كيف يمكن أن نفسر أن كل وزارات الحكومة ترفع أسعار سلعها وخدماتها تحت عنوان أن تكاليفها مرتفعة وأنها غير قادرة على الاستمرار أو المحافظة على خدماتها إن لم ترفع الأسعار، في حين تستطيع الحكومة أن تقول لموظفيها تحديداً: إنه ليس بالإمكان زيادة الرواتب؟!

ثمة تفسير غريب لكنه غير مستبعد..

الحكومة لا تصدق المواطن أن راتبه لا يكفيه.. وهنا نجد أن الصورة انعكست تماماً، فبعد أن كان المواطن لا يصدق الحكومة أصبحت الحكومة هي التي لا تصدق المواطن.

وأصبح على المواطن أن يكذب وأن يتجمل حتى ترأف به الحكومة، وما أطلق عليه أحد الاقتصاديين ببلاغة خاصة «التسول غير الاحترافي» الذي يعيشه مواطنوها من خلال مساعدات وإعانات، واستعجال الحوالات ليس إلا «تجمل» المواطنين لإخفاء أن عظام السوريين من ذهب!!

ليس هذا فحسب فبعد أن كان على الحكومة أن تسعى لنيل رضى الناس أصبح العكس، وعلى الناس أن يفعلوا كل شيء لنيل ثقة الحكومة والمواطن على خطأ حتى ولو ثبت العكس.

بجدية.. ثمة شيء يستحق العمل عليه.. وهو أن تجيب الحكومة بطريقة مباشرة عن خطتها لتحسين المستوى المعيشي.. تحاول أن تضع جدولاً زمنياً يمكن من خلاله معرفة ما سيحدث لاحقاً.. فالمستوى المعيشي يتدهور ولا يتحسن، وهذا على الأقل ما لم تخطط له أي حكومة في العالم.. الظروف صعبة.. لكنها ليست ظروف صعبة فقط على الحكومات بل هي أصعب على الناس.

أقوال:

– من الخطير أن تكون على حق عندما تكون الحكومة على خطأ.

– إن الحكومة هي نحن، نحن الحكومة، أنت وأنا!!!

– تمتلك الحكومة حكمة لقمان ويمتلك رجل الأعمال مال قارون ويمتلك الشعب صبر أيوب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن