2016 بوابة انقسام العالم بين كتلتين كبريين
| تحسين الحلبي
حين تفككت كتلة دول الاتحاد السوفييتي عام 1991 واعتبرت واشنطن أنها انتصرت وأغلقت ملف الحرب الباردة قال الرئيس الأميركي (نيكسون) إن الولايات المتحدة انتصرت في الحرب الباردة لكنها لم تحقق السلام ويؤكد رون بول عضو الكونغرس السابق والمرشح مرتين للرئاسة أن الإدارات الأميركية أنفقت على الحروب بعد انتهاء الحرب الباردة أكثر مما أنفقت على مشاريع السلام بأضعاف مذهلة ولذلك لم يتحقق أي سلام نسبي في مناطق كثيرة في العالم بل إن تصاعداً واتساعاً ملحوظاً في حروب الوكلاء المتحالفين مع واشنطن بدأ يطرأ في الشرق الأوسط وأفريقيا وينتقل إلى حدود روسيا في أوروبا.
وفي تحليل نشره موقع (نيشنال انترست) الأميركي يستعرض الكاتب السياسي الأميركي (غراهام أليسون) المساعد السابق لوزير الدفاع الأميركي لشؤون التخطيط التحديات التي فرضتها واشنطن على روسيا الاتحادية في (أوكرانيا) وفي الشرق الأوسط وخصوصاً بعد إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية وتدهور العلاقات بين موسكو وأنقرة، ويستنتج أن (الغضب الروسي) أو تحويل روسيا إلى دولة ضعيفة قد يجر الدولتين الكبريين الولايات المتحدة وروسيا إلى حرب مباشرة لم تحدث في السنوات الأربعين الماضية للحرب الباردة بينهما لأنها ستلحق الضرر بهما معاً وبالعالم أيضاً.. ويكشف (أليسون) أن واشنطن يجب أن تتبع سياسة عرض القوة والحرب الاقتصادية والعقوبات في سياستها الخارجية تجاه روسيا بهدف تحقيق مصالح نسبية وليس حاسمة أي بهدف تحقيق مكاسب بالنقاط المتوازنة وليس بالنقاط الحاسمة، وفي هذا المشهد يرى (بول كريغ روبرتس) أن روسيا تخوض حرباً مصيرية حين تؤكد أنها لن تتهاون في الحرب ضد الإرهاب ومن يدعمه وستدافع عن مصالحها الاستراتيجية ودورها العالمي وهذا ما بدا واضحاً في السياسة التي تبنتها ضد أنقرة بعد إسقاط الطائرة الروسية وفي سياسة دعم سورية وإيران وحلفائهما لمجابهة الإرهاب وتهديدات الدول المتحالفة مع واشنطن ضدهما.. وهذا تماماً ما أكده بوتين حين أعلن على الملأ وفي كل وسائل الإعلام أن روسيا ستتعامل بالسرعة القصوى تجاه أي خطر يحمله حلف الناتو ضدها وأنها سترد على كل خطر من أي طرف يستهدف مصالحها، وسوف تعزز قدراتها العسكرية بما يحقق التوازن الاستراتيجي تجاه الولايات المتحدة بل إن بوتين حاول قطع الطريق على سياسة التهديد الأميركية حين ركز في اجتماع دوري عقده مع القادة العسكريين الروس في (سوتشي) في 10/11/2015 والذي أشار بعض المحللين إلى أنه كشف عن استعداد روسي لاستخدام سلاح نووي تكتيكي إذا تطلبت التحديات التي تواجهها روسيا من أعدائها استخدامه في حرب تقليدية وهذا يعني أن بعض الأسلحة النووية الروسية لم تعد للردع فحسب بل للاستخدام عند الضرورة وكأنه على استعداد لتوجيه الضربة النووية (التكتيكية) الأولى لحماية سيادة ومكانة روسيا ودفاعاً عن مصالحها وتحالفاتها.
وبالمقابل بدأت روسيا تنطلق نحو نشر بطاريات صواريخ مضادة للطائرات في سورية وبتزويد إيران بهذا النوع المتطور من الصواريخ في رسالة واضحة لواشنطن وحلف الأطلسي بأن نظامهما العالمي لم يعد قابلاً لفرض شروط على روسيا وحلفائها.
وبالمقابل بدأ التعاون العسكري الروسي- الصيني يفتح آفاقاً واسعة نحو استكمال تحقيق ميزان قوة ترجح فيه القدرات التقليدية البشرية والتكنولوجية العسكرية على ما تتمتع به واشنطن من مزايا عسكرية إستراتيجية في أسلحتها التقليدية.. فقبل أيام عرض التلفزيون الرسمي الصيني بالإنكليزية برنامجاً عن القدرات العسكرية الصينية وعدد أفراد القوات المسلحة والتمهيد للاستعداد لكل الاحتمالات دفاعاً عن المصالح الاستراتيجية الصينية في آسيا والعالم. وكانت الصين قد اتخذت قراراً يشجع على إنجاب طفلين لكل زوج بدلاً من طفل واحد وهذا يأتي في سياق الثقة بقدرة الصين على تأمين مستوى العيش والتطور لأكبر عدد من الصينيين وعلى زيادة عدد أفراد القوات المسلحة.
ولذلك يرى معظم المحللين والمختصين بالدراسات التاريخية أن عام 2016 هو بدابة انقسام العالم إلى كتلتين كبريين من جديد إحداهما صاعدة دون توقف وهي كتلة دول البريكس -روسيا – والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وحلفاؤها وكتلة واشنطن التي تصارع من أجل منع وقوع هذه النتيجة المحتمة.