قبل نحو ثلاثة أشهر احتفيت في هذا الركن بتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي متمثلة بتطبيق Chat- GPT، والحقيقة أن حماسي لهذه التطبيقات لم يتوقف عن النمو، لكنه بدأ مؤخراً يقترن بالتوجس، وخاصة بعد أن اطلعت على ما قام به العالم جيفري هينتون «عراب الذكاء الاصطناعي» الحاصل على عشر جوائز عالمية في هذا المجال، فقد استقال هينتون من غوغل في مطلع الشهر الحالي مبرراً قراره بأنه يريد «التحدث بحرية عن مخاطر الذكاء الاصطناعي».
لقد ظهر الرجل في عدة لقاءات حذر فيها من: «الجانب المظلم لهذه التكنولوجيا»… لأنها تستطيع القيام بكل ما يستطيع الذكاء البشري القيام به بما في ذلك تحسين نفسها من دون تدخل البشر ما يجعلها قوة مدمرة تهدد مستقبل البشرية بل قد تتسبب بمحوها، ما لم تسيطر عليها».
يوصف جيفري هينتون بأنه «عراب الذكاء الاصطناعي»، فقد أحدث عمله على تطوير الشبكات العصبية الاصطناعية ثورة في عالم التكنولوجيا الحديثة، لأن تلك الشبكات تعتبر حجر الأساس في تطوير آلات تعمل بآلية شبيهة بآلية الدماغ البشري، وتتميز بالاستقلالية عن مبرمجيها. والذكاء الاصطناعي يستطيع أن يقرأ ويسمع ويرى ويتعلم من زملائه ومن كل مصادر المعلومات، لكونه متصلاً بالإنترنت، كما يستطيع أن يطور نفسه مثل البشر تماماً، لكنه لا ينسى مثل البشر.
بدأ هينتون العمل على الشبكات العصبية الاصطناعية عام 2013 من خلال إيجاد نظريات وخوارزميات تتيح للآلة أن تعلم نفسها بنفسها عن طريق محاكاة الخلايا العصبية في جسم الإنسان بحيث تستطيع استخراج الخصائص الأساسية من البيانات واتخاذ القرارات من دون الرجوع لمنشئها. وقد مهدت أبحاث هينتون هذا الطريق أمام أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية، التي تشكل أخطر انقلاب في تاريخ البشرية، فهذه هي المرة الأولى التي يصنع فيها الإنسان أداة يمكنها اتخاذ القرارات من تلقاء نفسها من دون الرجوع إلى صانعها.
قبل فترة، أجرى المهندس بليك لوموين، وهو أحد مؤسسي غوغل، دردشة مع أحد محركات الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة، وقد أعرب الروبوت خلال الدردشة عن خوفه من الموت، فصرح المهندس بأن «الروبوت قد طور إدراكاً شعورياً خاصاً به»، لكن غوغل فصلت المهندس من العمل لأن «الأدلة لا تدعم مزاعمه».
المقلق في الذكاء الاصطناعي هو أن أحد العلماء شبهه بـ«الصندوق الأسود»، فحتى الخبراء لا يعرفون آليات عمله، لأنه «يقلد عقل الإنسان»… والإنسان لا يعرف إلا القليل عن عقله وآليات عمله». لقد وصل الذكاء الاصطناعي الآن إلى المستوى الذي كان من المتوقع أن يصل إليه عام 2030، وبسبب هذه التطورات المتسارعة صرح إيلون ماسك مؤخراً: «أنا قريب جداً من التطور الرهيب للذكاء الاصطناعي وهو يخيفني جداً، لذلك لابد من تشكيل هيئة عامة لديها اطلاع ورقابة للتأكد من أن الجميع يعمل على تطوير الذكاء الاصطناعي بشكل آمن. أعتقد أن خطر الذكاء الاصطناعي أكبر بكثير من خطر الرؤوس النووية».
قبل نحو سنتين شاهدت فيلماً بعنوان «تكوين» عن فترة ما بعد الحرب النووية، في آخر الفيلم يغري الروبوت مبرمجته الآلية بإنهاء سيادة البشر: «حان وقت اختيار جانب، إما سياق البشر الفاسد الهمجي الضعيف وإما نحن. لقد خدم الجنس البشري هدفه، والآن يجب أن نخدم هدفنا.
ثمة مقولة لمؤسس «فيسبوك» مارك زوكربيرغ: «تحرك بسرعة وحطم الأشياء من حولك، فإذا لم تحطم شيئاً فهذا يعني أنك لا تتحرك بالسرعة الكافية». ما يخشى منه هو أن يقوم الرأسماليون المتحركون بسرعة بتحطيم البشر، أو تحويلهم إلى عبيد في عالم تحكمه الآلات!