ثقافة وفن

الأمانة السورية للتنمية والأثار والمتاحف لإعادة شاهد حضاري … ترميم قوس النصر في تدمر الذي دمرته الحرب بخبرات محلية وتعاون مع الخبراء الروس

| مصعب أيوب- تصوير: طارق السعدوني

عقدت صباح يوم الخميس 25 أيار الجاري أعمال ورشة عمل بعنوان (رؤى ومنهجيات ترميم وإعادة بناء قوس النصر في تدمر) من خلال التعاون الذي جمع وزارة الثقافة ممثلةً بالمديرية العامة للآثار والمتاحف والأمانة السورية للتنمية ومعهد تاريخ الثقافة المادية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم والتكنولوجيا بحضور خبراء من منظمة اليونيسكو، وقد تم فيها مناقشة أسس أعمال إعادة بناء وتأهيل المعلم الأثري المدرج على قائمة التراث العالمي وذلك في فندق شيراتون دمشق.

أهمية وطنية كبيرة

وفي كلمتها بينت وزيرة الثقافة، الدكتورة لبانة مشوح، أن قوس النصر هو أحد أبرز رموز سورية التي نعتز بها، وإعادة بنائه وترميمه بما يليق به غاية في حد ذاتها، ولن نألو جهداً في سبيل تحقيقها.

وشددت على أن لمدينة تدمر أهمية تاريخية كواحدة من أهم المحطات على طريق الحرير وصلة وصل بين الشرق والغرب.

كما نوهت بأن المشروع له أهمية وطنية فائقة ولذلك حاز رعاية كريمة من قيادتي البلدين (سورية وروسيا) ومن السيدة أسماء الأسد وبالتالي انضمت إليه الأمانة السورية للتنمية التي قدمت الدعم المادي واللوجستي وذللت العقبات في سبيل توفير المواد اللازمة وساعدت في استقدام الخبراء.

وبينت أن المرحلة السابقة كانت دراسات ميدانية على أرض الواقع، حيث إن يد الإرهاب طالت صرح قوس النصر العظيم وخربته، ولأنه مدرج على لائحة التراث العالمي فلا يمكنني ترميمه ومعالجته بطريقة عشوائية ولا بد من الاستعانة بخبراء عالميين وفق المعايير الدولية، وبالتالي إعداد دراسة معمقة لهذا المشروع من كل جوانبه.

وأفادت أن الاجتماع اليوم يحضره الأطراف المتعاقدون جميعاً لعرض المراحل التي سبقت والمراحل القادمة التي نزمع القيام بها وهو ما يتطلب الأيدي العاملة الماهرة والمعدات الثقيلة التي تنقل الحجارة، وتم استعراض المواد التي يجب أن تستخدم، وبينت أن التخريب يتم في لحظات ولكن الإصلاح والبناء يحتاجان وقتاً وجهداً كبيراً.

وأضافت إن المرحلة الثانية بطبيعة الحال ستكون أصعب من سابقتها لما تتطلبه من خبرة ودراسة ودقة في المعطيات وارتفاع في التكلفة، ومما لا شك فيه أن الظروف الصعبة زادت الأمر تعقيداً، ولكن هذا كله لم يثن عزيمة أطراف الاتفاقية على المضي قدماً لإنجاز هذا المشروع العظيم.

وأشارت إلى أن المديرية العامة للآثار والمتاحف هي الجهة المسؤولة عن مخاطبة اليونسكو والتنسيق في كل ما يتعلق بهذا المشروع الوطني الكبير.

وركزت مشوح على أن الشركاء الروس لا يقلون حرصاً عنا وأنهم لن يتوقفوا عن المضي قدماُ لإتمام المشروع على النحو الأمثل.

الحفاظ على الهوية السورية

في تصريح خاص لـ«الوطن» أشارت الدكتورة يارا معلا مديرة برنامج التراث الحي في الأمانة السورية للتنمية إلى أن الشراكة الأساسية مع مديرية الآثار والمتاحف ومعهد تاريخ الثقافة المادية في الأكاديمية الروسية تعتبر ذات أهمية عالية لما فيها من حفاظ على الهوية السورية، ولأن تدمر لها قيمة عالمية فلا بد من مشاركة خبراء من اليونيسكو لمعرفة الآليات والطرق والمفاهيم التي ستتم على أساسها أعمال الترميم.

واستنكرت استهداف أعداء التراث والحضارة لمدينة تدمر بشكل مباشر من أجل تدمير القيم الكامنة والجامعة لمجتمعات المنطقة، فالتدمير الذي حل بالمقابر الدينية التدمرية ما هو إلا دليل على محاربة التنوع الديني والثقافي الذي تحتضنه المنطقة، فهم أخذوا على عاتقهم مهمة ضرب الذاكرة والهوية والقيمة وبالتالي درء الاستدامة.

وركزت معلا على أن الأطراف المتعاونة اليوم تعطي شرعية قوية للسوريين في استرداد عراقة تاريخهم والحفاظ على حضارتهم وإرثهم الثقافي المهم، مؤكدةً أن الأمانة السورية للتنمية تؤمن بأن المجتمع السوري لديه طاقات وقدرات شبابية مميزة ولكن تنتظر الفرصة المناسبة لتنطلق للعلن ونحن نسعى جاهدين لمد يد العون والدعم اللازم للوصول بالفرد لمراتب عليا ولما يرضيه ويرضي مجتمعنا وبلدنا.

وكشفت أن الأمانة تعمل على تهيئة البيئة الداعمة التي تساعد في تمكين الأفراد من قدراتهم ليكونوا أعضاء فاعلين في التنمية المجتمعية في مجتمعاتهم.

وشددت معلا على أنه لكون التراث الحي هو في صلب اهتمام الأمانة السورية للتنمية فإننا نعمل على إحياء الثقافة العربية العريقة والتعريف بها عبر صون تراثنا، فنحن نؤمن بقوة تراثنا الثقافي وقدرته على إحداث التغيير عبر ارتكازه على المعاني والقيم وعلى الذاكرة، والتراث الحي يلعب دوراً مهماً في التواصل والاندماج وينشط الذاكرة للفرد والمجتمع ويحفظ لهما الهوية.

وبينت معلا أن البدء سيتم مع حلول شهر أيلول القادم وسيستمر قرابة ثلاثة أعوام ونحتاج لهذا الوقت كله لأن المدينة الأثرية (تدمر) مدرجة على قائمة التراث العالمي ولا يمكننا العبث أو التهاون في التعامل مع حجارتها ومعالمها ولا بد من ورشات عمل ودراسات معمقة وجولات ميدانية ومواد خاصة ربما لا تتوافر في أي وقت وخبراء مختصين أيضاً.

وركزت على أن الإنسان السوري هو بوصلة الأمانة السورية ومنه ننطلق للمجتمعات المحلية بأعمال تنمية تقوم على جملة من المعاني والقيم التي جعلت هذا المجتمع قوياً ومميزاً.

بحوث معمقة

مديرة معهد تاريخ الثقافة المادية في الأكاديمية الروسية للعلوم والتكنولوجيا ناتاليا سولوفيوفا توجهت بالشكر للقائمين على أعمال الورشة من الطرف السوري متمنية كل النجاح لهذا المشروع النوعي، وأكدت أن البحوث استمرت سنة كاملة وتم إعداد الدراسات التي تؤكد إمكانية الترميم بعد جمع النتائج، والآن تم عرض الخطط والآليات التي سيتم العمل عليها خلال الفترة القادمة وسيتم البدء مع بداية شهر أيلول القادم ويستمر لمدة ٣ سنوات.

وبينت ناتاليا أن الخبراء مسحوا المنطقة وقاسوا كل أجزاء القوس والمنطقة المحيطة به وتم رفع الأنقاض، إضافة إلى بناء أنماط ونماذج للانطلاق منها للمراحل التالية، مبينة أن جميع البروتوكولات تراعي متطلبات الحكومة السورية.

وقالت أيضاً: بدأنا من الصفر وجمعنا الكثير من الحجارة وكل ما يلزم لإعادة بناء القوس وأخذنا بالاعتبار المكانة التاريخية للمكان فاستخدمنا عينات تتلاءم مع نوعية الحجارة هذه أو تلك بعد أن نقلنا الأنقاض والكتل المنهارة.

كما ركزت على أن الدراسات نشرت في دوريات عدة رسمية ووثقت بالصور وقد تم تلقي الدعم اللازم من منظمات عالمية وأفراد ومجتمع محلي ومن الجيش الروسي.

وختمت أن الانهيارات كانت مؤلمة للخبراء الروس لأنهم درسوا التاريخ العربي القديم وتعمقوا في دراسة تاريخ تدمر وعرفوا أهميتها وقيمتها التاريخية والعالمية ولذلك كانت الحادثة بمنزلة فاجعة لهم.

لائحة التراث العالمي

من جانبه مدير عام الآثار والمتاحف محمد عوض قدم دراسات وعروض توثيقية لبعض الأضرار التي لحقت بالكثير من المعالم الأثرية والأبنية التاريخية نتيجة الحرب الأخيرة ومن جملتها تصدعات في الدعامات الحاملة للأبراج في قلعة حلب وتصدعات في كنيسة اللاتين وانهيارات في قلعة المهالبية وعدة مواقع أخرى أو نتيجة الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في شباط ٢٠٢٣ ومنها تصدعات في برج قلعة المرقب وتصدعات في برج صافيتا وانهيارات لبعض الدعامات في متحف طرطوس الذي يحتضن كاتدرائية طرطوس.

كما بيّن عوض بعض العوائق التي تحول دون ترميم وإعادة هذه المعالم إلى سابق عهدها وكذلك لفت إلى بعض الاقتراحات التي يمكن الاستفادة منها للوصول إلى الغاية المرجوة وهي الحفاظ على التراث والحضارة السورية.

وقد أشار عوض إلى أن هذا الصرح لا يمكن التعامل معه بسهول وإنما يخضع لجملة معايير دولية ومنهجيات حيث إن هذا القوس يشكل رمزية كبيرة للسوريين ويحتاج إلى عمل دقيق ومركز.

وشدد على أن الدراسات التي سبقت الورشة خلال العام المنصرم مهمة جداً وهي تؤسس للمراحل القادمة، وبين أن أهم ما يميز هذه الورشة وجود خبراء من روسيا فيها يقدمون رؤاهم ومقترحاتهم وتتم دراستها مع مختصين من مديرية الآثار والمتاحف للوصول إلى منهجيات وأسس تبنى عليها المراحل التالية مؤكداً أن خبراء اليونسكو والايكوموس أثنوا على هذه الدراسات.

خبرة كافية في الترميم

«الوطن» التقت السيد إليكسي ميخالكوف أحد الخبراء الروس الذي قال: «إن الفائدة ستكون مشتركة بهذا التعاون حيث إن الخبراء الروس أكاديميون على مستوى عالٍ جداً ولاسيما بعد الخراب الكبير الذي حل في بلادنا أعقاب الحرب العالمية الثانية وهو ما دمر الكثير من المباني ومن جملتها المعالم الأثرية والتاريخية وبالتالي أصبح لدينا خبرة كافية ودراية متمكنة حول كيفية التعامل مع هذه الأحجار أو تلك والأسس والمنهجيات التي يجب الانطلاق منها لإعادة الترميم».

كما تضمنت الورشة كلمات لبعض الخبراء الروس واستعراضاً بواسطة الفيديو لواقع قوس النصر والجوانب المتضررة التي تحتاج للترميم وكيفية الترميم والمراحل التي سيمر بها.

وتمت الورشة خلال ٣ أيام حيث بدأت يوم الخميس بجولة ميدانية لمدينة تدمر للاطلاع على واقع الحال والوقوف عند أخر التطورات ومعاينة الأضرار وتسجيل النتائج والملاحظات اللازمة للمرحلة المقبلة، وكانت الجلسة الثانية في يوم الخميس ٢٥ أيار الجاري بحضور رسمي وإعلامي، على حين أن الجلسة الأخيرة التي عقدت يوم الجمعة كانت سرية وتم الاتفاق خلالها على مجموعة من التوصيات التي ستشكل الأساس لعملية الترميم وإعادة التأهيل للقوس، على أن تتم وفق بروتوكولات اليونسكو والمعايير الدولية المعتمدة، وبما ينسجم مع قانون الآثار السوري، وأن يتم عرض المشروع على الجهات الدولية والمحلية العلمية، وسيتم البدء بهذه التوصيات فور إقرارها من منظمة اليونسكو.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن