بدا قانون إعفاء استيراد أبقار التربية من الضرائب والرسوم خمس سنوات لافتاً، في وقت ارتفعت فيه أسعار اللحوم العجل والغنم إلى أرقام مفزعة بالمقارنة مع متوسط الرواتب والأجور في سورية.
هل ثمة علاقة بين هذا القانون والسعي إلى خفض أسعار اللحوم بصفتها غذاء أساسياً لا غنى عنه لنمو الإنسان ولتمتعه بصحة جيدة؟
بمعنى آخر، هل يكمن الغلاء في نقص الأبقار والأغنام، في سورية حالياً؟
منذ عامين وأكثر قال وزير الزراعة إن سورية قد خسرت بسبب الإرهاب نصف ثروتها الحيوانية (500 ألف رأس بقر و8 ملايين رأس غنم)، ولعل في هذا القول إشارة واضحة إلى نقص فادح، ذلك أنه خلال عشر سنوات كان من المفروض أن تتضاعف ثروتنا الحيوانية لولا تلك الحرب الجائرة، آخذين بعين النظر الزيادة السكانية الكبيرة، والكثافة السكانية الهائلة في العاصمة دمشق، التي تجعل الاستهلاك كبيراً جداً بالمقارنة مع النقص في الكميات المعروضة، ما يلهب الأسعار.
يعزز هذا الأمر ما أشار إليه مؤخراً مدير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة لصحيفة «الوطن»، من أن الرسوم والضرائب على استيراد أبقار التربية، أعاقت استيراد عشرة آلاف رأس بقر، لمسكنة ودير الزور.
ثمة توجه نحو تنمية الثروة الحيوانية في سورية من خلال إعادة إحياء المباقر الحكومية وعددها 11مبقرة، لكن أغلبها مدمر ومهمل، وثمة أربع مباقر فقط عاملة.
ومن الملاحظ غياب الحديث عن تسمين الأغنام وتربيتها، وهي تذكر فقط، عندما تتم الإشارة إلى التهريب، والتقديرات أن عشرين ألف رأس غنم يهرب يومياً من المناطق الشرقية والشمالية في سورية، وجزء كبير منها محتل أميركياً وتركياً.
علما أن استهلاكنا من لحم الغنم كان كبيراً ففي العام الماضي كانت دمشق تستهلك 3200 رأس غنم في الشهر، ولعل الارتفاع الفاحش في الأسعار خفض الرقم إلى 1150رأساً، مقابل 30 رأساً من العجول ومهما كان الفرق في الوزن بين العجل والخروف كبيراً، فإن الغلبة للحم الغنم بسبب كبر العدد.
إن الأسعار الفاحشة، حالة غير مسبوقة تاريخياً، وما من شك أنها تبدو على هذا الشكل المفزع بسبب ضآلة الرواتب والأجور التي تتسم بالصفة ذاتها.
والحالة تلك غير جائزة لأنه لا بديل من البروتين الحيواني في بناء العضلات وفي نمو جسم الإنسان وفي حفاظه على صحته. ولست بغافل عن أن التعاضد الاجتماعي السوري يوفر حلاً جزئياً لمشكلة غياب اللحوم عن موائد ذوي الدخل المحدود، إذ إن هناك جمعيات خيرية وجوامع وكنائس تقدم وجبة أسبوعية على الأقل، لتلك الشريحة الواسعة من الناس.
وريثما نستعيد الوفرة في الإنتاج وهي السبيل إلى أسعار متوازنة ومتزنة، يجب لفت الانتباه إلى دور التدخل الايجابي في سوق اللحوم عبر مراكز اللحوم التابعة السورية للتجارة، فهذه المراكز كلما التزمت بأسعار مدروسة، هدأت من حال الأسعار لدى القصابين، ففي وقت يجري فيه الحديث عن كيلو غرام لحم الغنم الهبرة بـ120 ألف ليرة (وهذا ضرب من اللامعقول) نجد الكيلو ذاته، في مركز المزة بنايات الـ14 بدمشق، وعلى يد قصابين مهرة وبتعامل دمث ولحم طازج بـ67.5 ألف ليرة سورية ولحم العجل بـ60 ألفاً للكيلو غرام الواحد، علما أنه عند القصابين بـ85 ألف ليرة.
تكمن المشكلة في أن المزة اليوم مدينة، ولا يكفيها مركز واحد أو مركزان.
وتلك حال باقي المناطق، سواء في دمشق أو المحافظات، وكثر لم يسمعوا بهذه المراكز التي كلما ازداد عددها ثبتت الأسعار عند حد معين معقول. وكلما التزمت بسعر ثابت لهدف اجتماعي فوتت الفرصة أمام اللاهثين نحو أسعار فاحشة.