يبدو أن هزيمة أوكرانيا المؤكدة في الميدان الحربي بعد الانتصار الروسي في باخموت سيدفع دول حلف الأطلسي والولايات المتحدة إلى التنازل في هذه المرحلة عن السعي لضم أوكرانيا إلى الحلف والتعويض عن ذلك بوضع صيغة علاقات غربية – أميركية مع أوكرانيا تشبه العلاقات التي تأسست بين تلك الدول والكيان الإسرائيلي تضمن تقديم الدعم العسكري له لحماية استمرار مستقبل وجوده في الجوار الإقليمي وتوظيفه لخدمة المصالح الغربية بشكل عام.
وهذا ما أكدته صحيفة «وول ستريت جورنال» الشهيرة حين ذكرت في 22 أيار الجاري أن الرئيس الأميركي جو بايدن كان قد عرض هذه الفكرة على الرئيس البولندي أندريه دودا حين زار بولندا في شباط الماضي واستحسنها الأخير وتناقش فيها مع عدد من رؤساء دول الحلف بهدف وضعها على جدول عمل قمة الحلف المقررة في شهر تموز المقبل، وقد فضلا دودا وبايدين هذا النموذج الإسرائيلي لأوكرانيا لأن عدداً من دول الحلف لا تزال تصر على عدم ضم أوكرانيا إلى عضوية الحلف بسبب خطورة مثل هذا الضم لأسباب عديدة من بينها أن أوكرانيا الآن في وضع الحرب، ولذلك اضطر دودا الذي كان أكثر المتحمسين لضم أوكرانيا للحلف إلى الإعلان في مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال» أنه «أصبح من المفهوم تماماً أن أوكرانيا لا يمكن أن تصبح عضواً في الحلف وهي في حالة حرب في أراضيها»، لكن السبب الأساسي للخوف من ضم أوكرانيا يعود في الواقع إلى التهديد الروسي الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للغرب منذ بداية العملية الروسية قبل أكثر من عام حين حذر بأن ضم أوكرانيا سيعد بنظره تجاوزاً للخط الأحمر.
ويرى مسؤول أميركي بموجب ما ذكرت الصحيفة أن نموذج العلاقات التي يمكن وضعها مع أوكرانيا ستشبه العلاقات مع النموذج الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، وهو نموذج حافظ على إسرائيل طوال فترة طويلة وهو مناسب لحماية مستقبل أوكرانيا كدولة ليست عضواً في الحلف.
والسؤال المطروح الآن هو: هل سينجح هذا النموذج أمام روسيا وخاصة بعد الانتصارات الميدانية التي حققتها حتى باخموت؟
من الطبيعي أن تعتقد واشنطن ومعها الأطلسي أن مصلحتهما من شن الحرب غير المباشرة ضد روسيا الاتحادية بواسطة أوكرانيا، سيؤدي إلى إشغالها بحرب استنزاف طويلة الأمد مع أوكرانيا مع التحكم بإيقافها في مرحلة معينة عن طريق مفاوضات ترجح الكفة فيها لمصالحهما لكن مجريات ونتائج هذه الحرب فرضت عليهما وعلى أوكرانيا هزائم واضحة، فقررا الانتقال إلى إغلاق طريق انضمام أوكرانيا إلى الحلف والتعويض عن ذلك باللجوء إلى «نموذجهما الإسرائيلي» دون استبعاد القبول بالتفاوض مع روسيا التي أدركا أنها حققت معظم أهدافها في أوكرانيا من دون أن يكون في مقدور الجيش الأوكراني تغيير هذه النتائج على الأرض في المستقبل المنظور، وهذا ما يعد تنفيذا للخطة باء التي لجأ إليها الحلف كخيار اضطراري لتجنب حرب مباشرة مع روسيا بعد تحقيقها لانتصارات حملت تزايداً في قدرتها على ردع الأطلسي والولايات المتحدة. ومع ذلك تظل مسألة اختيار هذا النموذج الإسرائيلي على الحدود الروسية معدومة الفائدة بعد توظيف أوكرانيا في حرب تأكد فشلها ضد روسيا رغم كل أشكال الدعم الذي قدمته للجيش الأوكراني أكثر من عشرين دولة في مقدمها الولايات المتحدة التي تحظى بأهمية كبيرة في صناعة الأسلحة والصواريخ والدبابات الطائرات، كما أدركت واشنطن بالذات أن روسيا تمكنت من وضع شروط وقواعد اشتباك محددة فرضتها في هذه الحرب على واشنطن كأمر واقع لم تستطع واشنطن تجاوزها حتى الآن، وخاصة في مسألة تزويد أوكرانيا بأسلحة صاروخية بعيدة المدى وغيرها، وتبين في النهاية أن المراهنة على الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي ومدى كفاءته في هذه الحرب سقطت، ففضل الأطلسي وواشنطن توظيفه على طريقة النموذج الإسرائيلي وهو آخر الخيارات الفاشلة على غرار الكيان الإسرائيلي وما يواجهه في هذه الأوقات من أخطار تهدد مستقبل وجوده على الرغم من كل أشكال الدعم العسكري الذي يقدمه له الغرب والولايات المتحدة ورغم الظروف العربية التي تختلف عن ظروف روسيا كقوة كبرى عسكرياً ونووياً وسياسياً في العالم.