الهوية العربية لسورية كانت أبرز ما ركز عليه الرئيس بشار الأسد في كلمته بالقمة العربية التي عقدت في مدينة جدة السعودية في التاسع عشر من الشهر الجاري، والتي حضرتها سورية بعد انقطاع لاثني عشر عاماً، ليأتي هذا التحديد لهوية سورية، ليؤكد المؤكد، ويعلن أن دمشق لا تغير انتماءها مهما اشتدت عليها المحن وهو طبع الأصيل الحر، هذه الأصالة التي تمسكت بها القيادة السورية ومن خلفها الشعب السوري طوال سنوات الحرب.
يمثل العرب أمة واحدة في الإطار الثقافي وفي الإطار الحضاري وفي المقاييس التاريخية والجغرافية، نظراً لاشتراكهم في مجموعة عناصر أساسية لتشكيل الهوية الواحدة، مثل اللغة والثقافة والتاريخ والأرض، إلا أنهم لم يجتمعوا في تاريخياً في إطار سياسي واحد على أساس موحّد، فالأحداث الكثيرة التي توالت على المنطقة العربية وغيرت في مسار التاريخ العربي، من دولة الخلافة التي انتهت برحيل العباسيين وما رافقها من صراع على السلطة بين الممالك المحلية، إلى مرحلة جديدة بدأت بالتدخل الأجنبي الذي عمل على فرض وجوده عسكرياً مستغلاً حالة العرب في تلك الحقبة، إذ لم يكن العرب قد استوعبوا بعد التغيير الكبير المستجد في انهيار دولة الخلافة التي استمرت قروناً عديدة، ليجدوا أنفسهم أمام واقع جديد تمثل بالتبعية للآخر، رافقها حالة من الضعف الثقافي، إذ إن المنطقة العربية عموماً أصبحت خاضعة لسيطرة الحكم العثماني الذي استمر مدة طويلة، لينتقل العرب إلى مرحلة جديدة لعب فيها العامل الديني دوراً كبيراً، إلى حين ظهور قوة عالمية جديدة تسعى لفرض هيمنتها على الآخرين، ترافق ظهورها مع ضعف الحكم العثماني.
أتاحت هذه المرحلة الجديد انفتاح العرب على الحضارة الغربية الحديثة، ما أسهم في إعادة تشكيل وعي جديد، وبناء ثقافة نهضوية تهتم بأمور العرب وتبحث في واقعهم وتحاول تجديد إصلاحه، فقد برزت حركة أدبية فكرية وسياسية، بدأت تطرح مفاهيم نهضوية كالوحدة بين المسلمين، والحرية السياسية، وأن العرب أمة واحدة، من هذه الأفكار ما طرحه عبد الرحمن الكواكبي، الذي رأى أن الأمة العربية قد يجمعها نسب أو وطن أو لغة أو دين، وأن اللغة العربية هي الرابطة الأولى بين العرب.
تبلور الوعي العربي حول الهوية في عدة تيارات واتجاهات بعضها ديني وبعضها ليبرالي وبعضها الآخر تقدمي ثوري، وفي هذه المرحلة ظهر التيار القومي، الذي رفض الوجود الخارجي، مؤكداً أن العرب أمة واحدة لها خصائصها، وأن اللغة العربية هي الرابط الأساسي، لكن مشروعها التحرري الوحدوي هُزم، إذ جرى تطبيق اتفاقية سايكس بيكو، وبدأ التنفيذ العملي لوعد بلفور، وبدأت تظهر الكيانات الصغيرة المصطنعة.
هذه الأحداث المتتالية على الوطن العربي، جعلت العرب يواجهون مجموعة من المشكلات، في مقدمتها مشكلة الهوية العربية، التي كان لها تداعياتها الكبيرة على الهوية السورية خلال الأزمة / الحرب، وهو ما حافظت عليه دمشق متمسكة بهويتها العربية رغم قسوة العرب ذاتهم عليها، وظلت متمسكة كذلك بقضايا العرب المركزية وبهوية العرب الأساسية الإسلام، ولكن ليس أي إسلام، الإسلام الشامي المعتدل، الذي يؤمن بالعيش المشترك مع الآخر، فبقي لكل الأديان ولكل الأعراق مساحتها من الحرية الكاملة لممارسة شعائرها وعاداتها وتقاليدها.
جاءت كلمة الرئيس الأسد في القمة العربية، لتؤكد عروبة سورية، إذ قالها بوضوح مطلق: إن ماضي وحاضر ومستقبل سورية، هو العروبة، مؤكداً على أن هذا انتماء سورية وهذه هويتها، وقاطعاً الشك باليقين من أن تحالفات سورية في مرحلة زمنية محددة وفي كل مرحلة ليست تغييراً للانتماء وانما انتقال إلى حيث تقتضيه المرحلة ومصلحة سورية والسوريين، وهو ما يجب أن يفكر به العرب ملياً، فهم من دفعوا بسورية إلى بناء تحالفات مع أصدقاء وقفوا إلى جانبها في وجه الحرب الإرهابية التي شنت عليها.
كذلك أكد الرئيس الأسد أن لسورية هوية أخرى، هوية إسلامية معتدلة، وإشارته الضمنية تلك جاءت عبر تحذيره من خطر الإسلام المتطرف المتمثل بـ«الإخوان المسلمين»، ومشاريعهم السياسية.
يبدو أن الرئيس الأسد، كان يريد أن يلفت انتباه القادة العرب إلى الأهمية البالغة لمشروع بناء الهوية وأولويته القصوى في عالم اليوم، وأنه يتطلب أن يكون حاضراً في كل الخطوات الأخرى لإعادة بناء الوطن العربي الأمن المستقر ذات السيادة والقادر على تجاوز أزماته بنفسه، بما يتيح للفرد الكمية الكافية من الحرية، التي توسع الخيارات أمامه لإنتاج وعيه بذاته وهويته، على أساس القيم الحضارية المشتركة بين العرب.