ثقافة وفن

الحضور النسائي في الدراما السورية خلال العقود الأخيرة

| مصعب أيوب

عانت المرأة كثيراً من الظلم فأنصفتها الدراما وباحت بمكنوناتها في أعمال خلدتها الشاشة، وتعد قضايا المرأة أرضاً خصبة للدراما والمسلسلات وخاصة أنها تحتاج لإلقاء الضوء عليها بمزيد من التركيز لأن المرأة لا تزال تعاني إلى الآن العنف الزوجي والقهر وقضايا عديدة أخرى، بالإضافة إلى قضايا محاكم الأسرة والتحرش، فهناك موضوعات دسمة ممكن أن تتناولها الدراما وتعتبر قضايا المرأة مهمة في هذا الصدد فشكلت المرأة وجبة درامية دسمة لصناع الدراما.

ربة منزل

كثيراً ما أثارت صورة المرأة في الدراما السورية الجدل عبر عقود كثيرة لما اعتبر تشويهاً لصورتها وتنميطاً لدورها، ولكن شهدنا في الآونة الأخيرة تغيراً مهماً في ذلك ولاسيما مع زيادة الاهتمام بتعزيز حضور النساء بعد أن ظلت أسيرة التنميط الدرامي، حيث اقتصرت على الأدوار التي تقلل من شأنها متمثلة في ربة المنزل التي لا حول لها ولا قوة، فهي تشارك في العمل فقط لأن الوجود الأنثوي أساسي في حياتنا الواقعية والفن مرآة الواقع وكان لا بد من إعطائها مساحة في الدراما ولكنها تمثلت فقط في الأدوار الثانوية التي لا تضيف شيئاً للعمل، وفي الوقت ذاته فإن غيابها لن يضر العمل أو يؤثر في مجريات أحداثه، فقد شاهدنا صورة عن ذلك بسلسلة باب الحارة الشهيرة من خلال بنات أبي حاتم اللاتي تذكر أسماءهن فقط على حين أن البعض منهن لم تظهرن في المشاهد إلا بلقطات نادرة.

المحرك الرئيسي

شهدت الدراما السورية خلال موسم رمضان المنصرم إنتاجاً كثيفاً ومستوىً جيداً ومتابعة شديدة رغم وجود تفاوت كبير يحتاج إلى نقاشات مطولة بسبب غياب بعض الأنواع والحضور الزاخم للأنواع الأخرى ولكن بقيت المرأة هي المحرك الرئيسي للأحداث وتقاسمت البطولة مع شريكها الأزلي الرجل وتجلت في مسلسل النار بالنار من خلال شخصية مريم التي أدتها الفنانة كاريس بشار، حيث لعبت دوراً مهماً وكانت شخصية محورية في سير الأحداث بل إن الأحداث جميعها كانت تتمحور حولها، وكذلك فقد رأينا الفنانة نادين خوري بشخصية درية خانم في مسلسل العربجي تؤدي دور المرأة المتسلطة المتجبرة التي تميزت بالشر وحب السيطرة وبسط النفوذ، وسخرت لذلك كل ما تملك وتكون الند لبطل العمل أبي حمزة النشواتي «سلوم حداد»، وكذلك الحال في شخصية جواهر في مسلسل مربى العز التي أدتها الفنانة سوزان نجم الدين، حيث تدور أحداث العمل كله حولها في محاولة الانتقام لوالدها الذي شهد أهل حارته ضده وتم سجنه واعتزله الناس وبالتالي تم تهميش عائلته وهو ما خلق عندها نزعة عدوانية لإخضاع وإذلال جميع من كان له يد في ذلك، كما تجلت صورة المرأة في دراما رمضان 2023 من خلال شخصية شيماء «أمل عرفة» في زقاق الجن التي ترفض الخضوع للعادات والتقاليد الظالمة وتحاول إثبات وجود الأنثى وتأكيد أهمية دورها في الحياة وقدرتها على المواجهة والمقاومة للحصول على حقها واستطاعتها اتخاذ القرار وتحديد المصير.

فالصورة السلبية للنساء في معظم المسلسلات تحولت إلى إيجابية لتظهر قدرة المرأة على التحدي والمواجهة، فهناك أعمال مهمة احترمت المرأة وألقت الضوء على الكثير من المشكلات التي تواجهها، فصارت الدراما تتسع للمرأة بشكل أصبح يوازي أو يفوق مساحة الرجل، ولكن كان هناك أعمال أخرى شوهت صورة المرأة وحصرتها في أدوار الإغراء وتحقيق الشهوات والخيانة وسرقة الرجل من أسرته، فليس لها رأي وحرية في اختيار قرارها، ومحور حياتها هو كيفية إرضاء الرجل فقط لا غير، فلا تخرج من بيت الزوجية إلا في حالتي الطلاق والوفاة وهو ما كان طاغياً في معظم مسلسلات البيئة الشامية.

حضور قوي ومؤثر

وعن رأيه في هذا الخصوص يقول المخرج بشار الملا: المرأة حاضرة وبقوة منذ السبعينيات في الدراما والسينما وتمنح أدواراً رئيسية مهمة، ولاسيما من أبرز تلك الأدوار ذاك الذي أدته سلوى سعيد في مسلسل انتقام الزباء بشخصية الملكة زنوبيا، وكذلك الأمر الحضور النسائي القوي في مسلسل العبابيد، إضافة للأدوار التي شكلت نقلة نوعية في مسيرة الفنانة منى واصف بأعمال درامية عديدة منذ الثمانينيات، فجلها كانت شخصيات مهمة ومحركة للحدث ورئيسية فيه، وتابع أنه في المسلسلات المعاصرة أتيحت الفرصة للمرأة لتقاسم البطولة مع الرجل في معظم الأعمال الدرامية ومنحتها الدراما فرصة كبيرة من حيث مساحة الأدوار التي تلعبها أو عدد الأعمال التي قامت ببطولتها نساء فنانات.

وبين أن هنالك العديد من الأعمال التي أنصفت المرأة وقدمتها على حقيقتها وغيرت النظرة الذكورية الطاغية والأمثلة كثيرة مؤكداً أن مادة صحفية لن تكفي لمناقشة الموضوع وإنما يحتاج إلى دراسات معمقة، ولكن لا يمكننا إغفال دورها المهم في العمل الدرامي وحتى في حياتنا الواقعية فهي جزء أساسي في المجتمع وتكمل الرجل ويكملها.

عنصر جمالي وسياحي

المخرج مأمون الخطيب في تصريح لـ«الوطن» بيَّن أن حضور المرأة في الدراما كان مؤثراً ولكن هذا ينتمي إلى طبيعة النص وبيئة العمل الدرامي، فنحن نرى تبعية المرأة للرجل والحط من قيمتها في دراما البيئة عموماً وإعلاء أهميتها في الدراما الحديثة والمعاصرة والأمثلة كثيرة على ذلك ومنها مسلسل النار بالنار في رمضان 2023 وفي مع وقف التنفيذ من العام المنصرم فرغم طغيان الجانب الذكوري على تلك الأعمال إلا أن وجود المرأة كان لافتاً ومهماً.

وأضاف إنه في مسلسلات البيئة عامة تكون المرأة خاضعة وغير مؤثرة فنجد الذات الأنثوية لا تملك حريتها وتحضر دائماً في النصوص الدرامية تابعة للرجل إلا في حدود الأدوار المطلوبة منها كعنصر يراد ترسيخه ضمن العمل في منطق مختلف وحتى في مسلسلات الدراما المشتركة فهي عنصر جمالي وعامل جذب سياحي لا أكثر، وأكد الخطيب أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها سورية رسخت المرأة كعنصر حاضر وطاغٍ خلال الحرب بسبب مسؤوليتها المتصاعدة تجاه عائلتها وخصوصاً إذا ما فقدت زوجها أو مات، ولكن بوجه عام لا تزال الدراما تجنح نحو البطولة الذكورية على حساب المرأة وأهميتها وفعاليتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن