قضايا وآراء

«نووي الردع» الروسي

| هديل محي الدين علي

تأخذ الأزمة الأوكرانية مساراً أكثر حدة على المستويين السياسي والعسكري، وخاصة أن الحلف الغربي الذي تقوده واشنطن ضد موسكو قد أخفق في تحقيق أحد أهم أهدافه الإستراتيجية من وراء إشعال فتيل الحرب، وهو استنزاف الاتحاد الروسي بمقدراته الاقتصادية والعسكرية.

هذا الفشل قاد المخططين الأميركيين إلى السعي لإشعال بؤرة نار جديدة في دولة تعد من أقرب حلفاء موسكو وهي بيلاروس بهدف توسيع حربها بالوكالة بصبغة نووية، بعد إعلان لندن عن تزويد كييف بذخائر تحتوي على اليورانيوم المنضب على خط تسخين جبهة مينسك، وجاء ذلك بعد تسريبات غربية مقصودة عن خطط انقلابية ضد الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، حيث أشارت وسائل إعلام عن مصادر استخباراتية إلى أن دول الناتو بشكل عام وبولندا بشكل خاص، تقوم بحشد كبير للقوات على الحدود مع بيلاروسيا، وهو ما يجعل حليفة روسيا، وفق ما قال أستاذ العلوم السياسية في مينسك يوري شيفتسوف، تواجه معضلة كبيرة فإما العسكرة الكاملة للمجتمع، أي زيادة حادة وجذرية في حجم الجيش ونقل الاقتصاد ليصبح اقتصاد حرب، أو القبول بـ«الأسلحة النووية الروسية على أراضيها مع ضمانات بأنها ستُزال إذا لزم الأمر، ويضيف: إن ما يزيد من قلق بيلاروسيا هو طول حدودها مع دول الناتو وأوكرانيا، حيث يصل طولها إلى 1100 كيلومتر مع الأخيرة إلى جانب حدود بطول 700 كيلومتر مع ليتوانيا، وأكثر من 500 كيلومتر مع بولندا، وما يصل إلى 200 كيلومتر مع لاتفيا، وهو ما يعني أن هذه الحدود الكبيرة تحتاج إلى فرق عسكرية ضخمة لتأمينها.

سكرتير مجلس الأمن البيلاروسي ألكسندر فولفوفيتش قال إن بلاده ستنشر الأسلحة النووية التكتيكية الروسية على أراضيها، لأن الغرب لم يترك لهم خياراً آخر، موضحاً أنه في التسعينيات من القرن الماضي ضمن الغرب والولايات المتحدة الأمن لبيلاروسيا وعدم فرض أي عقوبات عليها، لكن تلك الوعود كلها تلاشت وأصبحت في طي النسيان، الأمر الذي دفع بلاده للاتفاق مع موسكو على نشر الأسلحة النووية التكتيكية دون انتهاك للالتزامات الدولية.

المحللون الروس ومنهم الأكاديمي في السياسة الدولية ديميتري فيكتوروفيتش، ذهبوا باتجاه التأكيد أن محاولة تصوير الأمر بأنه بداية حرب نووية غير صحيح، وأن الخطوة تأتي ضمن حماية أمن الحلفاء وبالأخص بعد إعلان لندن منذ أيام تزويد كييف بذخائر اليورانيوم، وأوضح فيكتوروفيتش أن موسكو رفضت مراراً التقارير الغربية عن عزمها استخدام السلاح النووي في أوكرانيا.

روسيا واضحة من خلال «أساسيات سياسة الدولة في مجال الردع النووي» التي صدق عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتقول إن مثل هذه الأسلحة النووية يمكن استخدامها إذا كان هناك تهديد لوجود الدولة الروسية نفسها، لذلك فمحاولة ضرب موسكو من خاصرتها مينسك هي بحكم الفاشلة بعد قرار الكرملين نشر الأسلحة النووية غير الإستراتيجية على الأراضي البيلاروسية لأنها بذلك تقول للغرب وخاصة شرق ووسط أوروبا إنكم في مدى النار التي ستحاولون إشعالها ولن تفيدكم أي طمأنات أميركية بعد الرصاصة الأولى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن