في ظل استقرار الأوضاع في المنطقة طوال الأشهر القليلة الماضية، وتسيّد شيء من الإيجابية في أجواء العلاقات السورية- التركية لجهة لقاء الطرفين على مستويات عسكرية ودبلوماسية، بهدف إنهاء الأزمة في سورية، بعيداً عن رؤية كل طرف لطريقة الحل، فإن فوز رئيس الإدارة التركية رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة لخمس سنوات، يدعو إلى الاطمئنان باستمرار تلك الأجواء، والعمل على تطويرها لاحقاً، بوساطة روسية-إيرانية، بعيداً عن حسابات إدارة أردوغان الانتخابية، والتزامها بكثير من العقلانية في مقاربة الأمور، بما يثمر عن ترجمة أقوالها ونيتها بالتقرب من دمشق إلى أفعال تبدأ في أرض الميدان شمالاً.
فاز أردوغان بالانتخابات الرئاسية، وتجاوز بذلك كل الهواجس والحسابات، لتبدأ مرحلة جديدة يؤكد الكثير من المراقبين والمتابعين أنها ستكون أكثر واقعية وعقلانية، لكون الخمس سنوات القادمة هي الأخيرة لأردوغان، وأن ما سيقوم بفعله واتخاذه من قرارات سواء على الصعيد الداخلي أم الخارجي سيكون بمنزلة بذار ستمكن حزبه العدالة والتنمية من حصاد موسمها في الانتخابات القادمة.
خمس سنوات قادمة ستكون كفيلة لأردوغان بنقل تركيا إلى ضفة بخلاف ما هي عليه، لجهة علاقتها مع سورية والعالم العربي والاتجاه أكثر شرقاً نحو روسيا والصين، وعلى الرغم من تراجع حدة تصريحات المسؤولين الأتراك عن التقارب مع دمشق، بخلاف ما كانوا عليه قبل الانتخابات، إلا أن سورية كانت حاضرة وبقوة في خطاب النصر لأردوغان من خلال حديثه عن إعادة اللاجئين، وتأكيد وزير خارجيته مولود تشاويش أوغلو، أن ممثلي سورية وتركيا وروسيا وإيران سيعقدون اجتماعاً في الأيام المقبلة لبحث إعداد خريطة طريق لتطبيع العلاقات مع دمشق، ليكون حديثه عن إعادة اللاجئين الذين خرجوا من مناطق سيطرة الدولة إليها، بعد أن كان الحديث سابقاً عن إعادتهم إلى المناطق التي تسيطر عليها الفصائل الموالية لأنقرة، حدثاً لافتاً وبارزاً.
ربما أعطت نتائج الانتخابات الرئاسية أردوغان شيئاً من ترف الوقت في بحث العديد من القضايا التي كان يستعجل الخوض فيها سابقاً، خاصة موضوع التقارب مع دمشق، وربما أعتقته من حجم الضغوط، وفسحت المجال أمامه للمناورة لعدم التنازل عما لا يرغب به، إلا أن موضوع تقارب أنقرة ودمشق ليس رغبة تركية فقط، بل هو مطلب روسي ملحّ، وعليه فإن المضي قدماً في ذلك يشكل المفتاح بالنسبة للإدارة التركية لبقاء حالة الود مع موسكو، وهذا ما يجعلها في حالة التزام بما قطعته من وعود سابقاً لجهة محاربة الإرهاب، والانسحاب من الأراضي السورية، والإعلان عن ذلك وفق خطة معلنة ولو تدريجياً، إضافة إلى أن أنقرة بحاجة إلى التواصل والتعاون مع دمشق، لجهة مواجهة ما تعتبره خطراً داهماً على أمنها القومي من خلال بقاء ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» شرق الفرات.
في مقابل التكهنات بسياسة أردوغان المقبلة إزاء سورية، فإن موقف الأخيرة باق على ما هو عليه، بأن على تركيا تقديم خطوات جديدة وملموسة، لاسيما مسألة الانسحاب من الأراضي السورية، موقف بات أكثر صلابة في ضوء عودة العلاقات السورية مع محيطها العربي، خاصة المملكة العربية السعودية، حيث يمكن للأخيرة لعب دور ضاغط على أنقرة للانخراط بشكل جدي في حل الأزمة في سورية، عبر سحب قواتها من الأراضي التي تحتلها، والرياض قادرة على فعل ذلك، لسببين: الأول تأكيدها الدائم على وحدة وسلامة الأراضي السورية وخروج القوات الأجنبية من الأراضي السورية، والثاني قوة استثماراتها الاقتصادية وبقية دول الخليجي العربي في الداخل التركي، وما لذلك من دور في استقرار الاقتصاد التركي طوال السنوات القادمة.
تمهل الإدارة التركية في خطواتها تجاه السير نحو دمشق، عما كان قبل الانتخابات، لا يعني بالمطلق أمراً سلبياً، بل قد يرى البعض فيه شيئاً من التأني في الدراسة واتخاذ القرارات بشكل أكثر عقلانية، وهو ما تؤكده مصادر معارضة بأن أنقرة تعد خطة للتقارب من دمشق تتضمّن في خطواتها الأولى فتح طرق الترانزيت عبر معبر باب الهوى، وإعادة تفعيل الطرق الدولية، حلب – اللاذقية المعروف باسم «M4»، حيث سيتم تقديمها ضمن لجنة أمنية – عسكرية في الاجتماع الرباعي المفترض إجراؤه بين نواب وزراء خارجية سورية وتركيا وإيران وروسيا، في الأيام القليلة القادمة.
من المؤكد أن فوز أردوغان بولاية رئاسية ثالثة وأخيرة، سيعطيه المزيد من القوة والجرأة على تدوير الكثير من الزوايا الحادة في علاقته مع دمشق، وبما يقربه أكثر فأكثر من موسكو وطهران والعديد من الدول العربية، وهو الحريص على أن يكون أكثر قرباً منها، في ظل العداء الذي تبديه كل من أميركا وأوروبا نحوه.