من دفتر الوطن

أسامة الروماني مشعل الشموع

| حسن م. يوسف

أستطيع القول بكل صراحة إن الفنان الفقيد أسامة الروماني هو أحد الفنانين القلائل الذين ازددت إعجاباً بهم وحباً لإنسانهم بعد أن رافقتهم وعرفتهم عن قرب، فعندما شاركته في العام الماضي بتدريس مادة السيناريو في المعهد العالي للسينما، أدهشني حقاً بأصالة بساطته وعمق ثقافته. كنت أحبه عن بعد كفنان، وما إن اقتربت منه وتنشقت عطر روحه الأخاذ حتى ازددت له حباً واحتراماً، وقد تعمق حبي له وتجذَّر عندما حضرت حفل تكريمه في المعهد العالي للفنون المسرحية حيث أعطى فأغنى وأدهش! يومها كتبت عنه قائلاً: طوال ساعتين من البوح الحميم تكرَّم المبدع أسامة الروماني، بنثر ذهب تجربته الثرية على رؤوسنا، أذاقنا عسل البدايات المر، ولقننا دروس حياته العميقة القاسية بحنان. كان يعطي عصارة عمره بغزارة عين الفيجة، فيضوع منه عطر روحه بتلقائية الوردة الشامية. لذا وجدت أن من واجبي أن أشكر الصديق ثامر العربيد عميد المعهد العالي للفنون المسرحية وجميع الأساتذة والطلاب على احتفائهم اللائق بهذا الفنان الفذ.

في أثناء امتحان الفصل الأول، الشفوي، الذي أجريناه معاً للدفعة الأولى من طلاب المعهد العالي للفنون السينمائية، أبلغته أنني معجب بمدى إخلاصه لنفسه ولتجربته الإبداعية العميقة، وأعربت له عن رغبتي في إجراء حوار طويل معه بغية تدوين عصارة تلك التجربة المهمة، لكن ارتباطاتنا المتنافرة كانت تدعونا للتأجيل المرة تلو الأخرى، إلى أن جاء الأجل.

وفي أثناء أحد لقاءاتنا قال لي: «طوال فترة وجودي في الكويت، التي امتدت نحو أربعين عاماً، كنت في موقع المسؤولية ولهذا عندما تقاعدت، كنت أنوي أن أرتاح من ضغط المسؤولية». لكن أسامة الروماني اكتشف عقب عودته إلى الوطن أن المسؤولية بالنسبة له لم تكن متصلة بالوظيفة بل بالشعور، لذا عاد للتمثيل وعندما دعاه المخرج باسل الخطيب لأن يكون أحد الأساتذة المؤسسين للمعهد العالي للفنون السينمائية لم يتردد أبداً.

كان الفنان الفقيد أسامة الروماني من أكثر أبناء جيله تشجيعاً للشباب، وقد أرجع اهتمامه بالشباب وتشجيعه لهم لثلاثة أمور: «الأول هو رد الجميل لمن شجعوه عندما كان شاباً، لأنه على حد قوله لم يكن مبشراً بأنه سيصبح معروفاً أو مشهوراً أو ناجحاً، لكن من هم أكبر منه لم يبخلوا عليه بالتشجيع. الأمر الثاني له علاقة بالشباب أنفسهم، فهو عندما يشجعهم لا يفعل ذلك من فراغ، فكل من يشجعهم لديهم بذرة النجاح وهم يحتاجون للتشجيع وحسب. صحيح أن تشجيعه لهم لا يشكل واحداً بالمليون من دوافعهم الذاتية لأن يكونوا أفضل، لكن واحداً بالمليون أفضل من لا شيء. الأمر الثالث هو أن ما يفعله هو الشيء الطبيعي، فالحياة يجب أن تستمر وكما يقال: الشمعة قبل أن تنطفئ تشعل شمعة أخرى». ومن الضروري أن يتبنى الفنانون هذا المفهوم، إذ لا أحد مُخَلَّداً ولا تستمر الحياة إلا عندما يقوم كل جيل بتسليم الجيل الذي يليه. وهذا برأيه ليس من باب التواضع بل من باب الإحساس بالمسؤولية.

السلام لروح الفنان الفقيد أسامة الروماني فقد كان إنساناً سورياً أصيلاً محباً وليس مصادفة أنه توفي نتيجة احتشاء في عضلة القلب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن