شؤون محلية

تمويل الزيادة

| ميشيل خياط

لأول مرة يعلن مجلس الوزراء على الملأ أنه ناقش ملف تحسين الوضع المعيشي وواقع الرواتب والأجور للعاملين في الدولة والمتقاعدين، والاستمرار بخطوات إعادة هيكلة الدعم… إلخ.

ظل موضوع زيادة الرواتب والأجور متروكاً للتخمين طوال عقود إلى أن يأتي كمفاجأة مفرحة.

اليوم وبسبب الضائقة المالية الهائلة التي تعيشها شريحة كبيرة من السوريين، بات الحديث واضحاً ومباشراً وعلنياً، وهذا ما شهدناه في عدة مناسبات، فتح فيها باب النقاش حول الوضع المعيشي السوري، وكان آخرها إعلان مجلس الوزراء أنه ناقش موضوع الرواتب والأجور وليس تحسين الواقع المعيشي فقط كما جرت العادة سابقاً.

وعقدة النجار في موضوع رواتب وأجور تلك الشريحة، عدم توافر الموارد بسبب الحرب، لكن أغلب الناس جذبهم خبر ناقص صدر عن مجلس الوزراء في الجلسة ذاتها وفي اليوم عينه، عن إقرار بيع البرغل بالبطاقة الذكية. ومن المؤسف أن خبر البرغل لم يشر إلى الكمية ولا إلى السعر ولا إلى إمكانية شراء ما تشاؤون من كميات من السوق الخاص، (وكان يباع في منافذ السورية للتجارة بسبعة آلاف ليرة معبأ، ويباع لدى الباعة في المحال التجارية بسبعة آلاف وثلاثمئة ليرة معبأ، و6500 ليرة سورية فرطاً..). إن غياب مثل هذه المعلومات حول خبر البرغل إلى مادة للتندر، علماً أن الكميات التي ستتوافر للصالات هي 70 ألف طن برغل، جرى التعاقد عليها، في وقت لا يوفر ما يتوقع أن تتسوقه مؤسسة الحبوب من القمح، رحرحة في استهلاك البرغل. (في العام الماضي تم تسوق 550 ألف طن قمح فقط، في حين أن استهلاكنا السنوي 2.2 مليون طن قمح)، ونستورد باقي احتياجاتنا من جمهورية روسيا الاتحادية.

لقد ضيع خبر البرغل على البطاقة، فرصة نقاش جاد وعميق حول الموارد المطلوبة لرفد أي زيادة محرزة قادمة في الرواتب والأجور، كان يجب أن يشارك فيه كبار الخبراء بروح إيجابية، نقاش بدأ في المجلس المركزي للاتحاد العام لنقابات العمال مؤخراً، وقبل أيام من اجتماع مجلس الوزراء، وطرح فيه موضوع التمويل بالعجز، على نطاق محدود (حسب رأي رئيس مجلس الوزراء) وعلى نطاق واسع كوجهة نظر رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، مسوغاً رأيه أن السلبيات الناجمة عن التمويل بالعجز (أي الاقتراض، أو صك أموال جديدة أو بيع سندات حكومية)، تبقى أقل فداحة من الجريمة التي انتشرت بسبب تدني الرواتب. إن كلفة التمويل بالعجز مهما كانت سلبياتها- يقول رئيس اتحاد نقابات العمال- لن تكون بقدر التكلفة الاجتماعية التي تسببها هذه الظواهر الاجتماعية الخطيرة (ومما لاشك فيه أن لديه الأرقام المهمة).

طرح موضوع التمويل بالعجز الاقتصادي الإنكليزي. كينز في كتاب أصدره في العام (1936)، وفي سياق الحديث عن إيجابيات التمويل بالعجز يجري التركيز على أن يكون اللجوء إليه مرتبطاً بتمويل مشاريع إنتاجية تدر ربحاً سريعاً يقوى على السداد (التعويض)، ومن مخاطره التضخم المالي الكبير وهبوط القيمة الشرائية للنقد الوطني.

ولهذا يتم التوجه محلياً، ومثلما نلمس حالياً، نحو الدعم إذ تحرم منه فئة، لمصلحة وصوله إلى مستحقيه الفعليين، ليصبح مورداً لتغطية جزء من زيادة الرواتب والأجور، إلى جانب قيام الحكومة بزيادة أسعار بعض السلع والخدمات لتحقيق وفر يساعدها على الإقبال على هذه الخطوة التي ينتظرها أصحاب الرواتب الحكومية والمعاشات التقاعدية بفارغ الصبر.

ما من شك أن الحكومات السورية المتعاقبة، خلال فترة الحرب، قد أخطأت إذ تباطأت في ردم الهوة بين الأجور والأسعار حتى تفاقمت إلى اللامعقول حالياً، ومع الإلحاح على تجذر الدعم العام لكل ما هو ضروري وأساسي ويبقي على حياة السوريين كريمة، نبارك أي إجراء ينهي حالة اللامعقول في رواتب العاملين والمتقاعدين في الدولة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن