الرؤية الوطنية لمواجهة السرطان في سورية في جلسة تفاعلية مع الإعلام … العظمة: تطوير البروتوكولات الوطنية بمعايير قياسية عالمية للتشخيص والعلاج
| محمود الصالح - ت- مصطفى سالم
بروح عالية من المسؤولية الوطنية، وبغية الوقوف على ما تم إنجازه في البرنامج الوطني للتحكم بالسرطان الذي انطلق في عام 2019، عُقدت ورشة عمل تفاعلية شارك فيها ممثلو وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، ونخبة من الأطباء المختصين والعاملين في مجال تشخيص ومعالجة السرطان.
ما يميز هذه الورشة هو الشفافية العالية التي سادت جو الحوار والمناقشة، والطروحات والمقترحات البناءة للتقدم في هذا المشروع الوطني.
وجاء في بيان البرنامج الوطني للتحكم بالسرطان إن الواقع الموجود في بلادنا لم يكن سهلاً في بلد مثل سورية- بعد ما مرت به خلال أكثر من عقد من الزمن- مواجهة هذا المستوى من المرض ولاسيما ما يحتاجه من كوادر طبية وفنية عالية الاحترافية يجب تأمينها وتدريبها بأعلى المستويات والتقنيات المتطورة، أولاً للكشف عن السرطان وثانياً علاجه، وخاصة أن الحرب تسببت في إضعاف البنى الأساسية في مختلف القطاعات وعلى رأسها القطاع الصحي الذي يعتبر الأكثر حساسية وتأثراً في ظروف الحرب، فزادت التحديات والصعوبات وأصبحت مواجهة مرض السرطان تتطلب جهوداً مضاعفة للتقليل من نسب الإصابة والوفاة به.
وأشار البيان إلى أن مرض السرطان في سورية يعد مشكلة صحية كبرى وهو ثالث سبب للوفاة حسب البيانات الصادرة عن وزارة الصحة، حيث سجلت نحو 17599 إصابة جديدة عام 2020، ومن المتوقع أن يرتفع عبء السرطان في سورية ليصل إلى 38600 حالة في عام 2030، موضحة أن قطاع علاج السرطان في سورية يعاني تحديين أساسيين يؤثران وبشكل كبير على سير العلاج، الأول على صعيد العلاج الكيماوي إذ تعاني المشافي ومثلها مراكز علاج الأورام حالياً نقصاً شديداً في الأدوية السرطانية والمواد الطبية مع القطاعات متكررة فيها، ما ينعكس بشكل مباشر على علاج المرضى وعلى زمن البروتوكولات المطبقة وبالتالي مدد أطول في العلاج ومعاناة أكبر للمريض، وتكاليف مادية مضاعفة على الدولة.
وأضاف: الثاني على صعيد العلاج الإشعاعي الذي يرتبط بالمسرعات الخطية، حيث حددت المعايير العالمية مسرعاً خطياً واحداً لكل مليون نسمة من إجمالي عدد سكان الدولة (وتغير هذا العدد بعد التقدم والتطور وازدياد عدد المصابين بالسرطان ليكون المعيار الجديد هو جهازاً واحداً لكل 500 إصابة جديدة) حيث يبلغ لدينا العدد الحالي خمسة مسرعات خطية وخمسة أجهزة كوبالت.
وبالطبع فقد بات معروفاً أن التحديات الآنفة الذكر أساسها العقوبات الاقتصادية القسرية الأحادية الجانب على القطاعين الصحي والمصرفي في سورية. والذي يظهر انعكاسها بشكل جلي على علاج المرضى وحصولهم على الرعاية اللازمة التي تتوافق مع البروتوكولات العلاجية.
وأكد البيان أنه مع كل هذه التحديات التي تواجهها الدولة السورية لم تتوقف ولا ليوم واحد عن تطبيق مبدئها القائم على مجانية علاج مرضى السرطان، حيث قد يخفى على كثيرين أن علاج السرطان في سورية في كل مراحله وكل طرقه وضمن كل مشافيها الحكومية هو مجاني 100 بالمئة.
مع تأكيد أنه ورغم الحرب وما خلفته من تحديات مضاعفة بقيت مواجهة هذا المرض إحدى أولويات السيدة الأولى أسماء الأسد لتطلق عام 2019 البرنامج الوطني الشامل للتحكم بالسرطان بكل أبعاده الطبية والاجتماعية والمؤسساتية وحتى الإنسانية الذي يرسم الأهداف ويوحد الجهود والتوجهات بين القطاعات والجهات والمؤسسات الحكومية والأهلية المعنية ويعمل على التشبيك والتنسيق فيما بينها للوصول إلى أعلى مقومات ومتطلبات التعامل مع مرض السرطان بدءاً من إمكانيات الكشف المبكر والتشخيص الدقيق، مروراً بالعلاجات وبروتوكولاتها، وبناء الكوادر المؤهلة لتطبيق هذه البروتوكولات والالتفاف على الحصار للحصول على الأجهزة الحديثة والأدوية المطلوبة للعلاج، وصولاً إلى الشفاء المحقق في كثير من الحالات.
وأشار البيان إلى أنه ومنذ انطلاقته حدد البرنامج أولوياته، ومنها رفع مستوى العلاج في سورية عبر تطوير بروتوكولات الكشف المبكر والعلاج الكيماوي والإشعاعي التي تشكل انعكاساً لأحدث التطورات.
ثلاثة أعوام من الإنجاز
ثلاثة أعوام من عمر البرنامج الوطني للتحكم بالسرطان تخللتها نجاحات وإنجازات عدة على المستوى الوطني، كما تخللتها صعوبات وتحديات استطاع البرنامج من خلال التعاون والتنسيق العالي المستوى إيجاد الحلول المستدامة لها، وسعياً لتعزيز الشراكات الإستراتيجية النوعية المساهمة في تحقيق أهدافه عمل البرنامج على بناء شراكات فعالة تهدف إلى تبادل الخبرات وتدريب الكوادر الطبية والفنية ورفع مستوى معرفتها وتعزيزها كما عمل على اعتماد معايير واضحة وسياسات وإجراءات ممنهجة تهدف إلى تحقيق فعالية عملياتية، فأولى البرنامج الموارد البشرية اهتماماً كبيراً للنهوض بواقع التحكم بالسرطان في سورية تلبية للمتطلبات والحاجات من خلال إطلاق اختصاص التشخيص والعلاج الإشعاعي في كلية العلوم الصحية وهو ما يعتبر الحدث الأهم إستراتيجياً في هذا المجال خلال عام 2021.
وانطلاقاً من إدراك البرنامج بأن الكشف المبكر عن السرطان يلعب الدور الأساس في رفع نسب الشفاء ويضمن فقرات علاج أقصر وما يحمله ذلك من عبء نفسي أقل على المريض وأهله إضافة لتوفير التكاليف المادية على القطاع الصحي في سورية، طور البرنامج في عام 2022 برامج مسح للتقصي عن السرطانات الأكثر شيوعاً وهي الثدي، البروستات، عنق الرحم، تضم هذه البرامج بروتوكولات موحدة، وبرامج تدريب الكوادر المختصة حسب الأسس العالمية، بشكل متوازٍ مع التخطيط لإطلاق أبحاث لتمييز العوائق الاجتماعية والثقافية والنفسية التي تواجه التحكم بهذا المرض.
وأجريت خلال الفترة التي امتدت من تاريخ 3 آذار 2022 ولغاية 10 كانون الثاني 2023 وضمن أربع محافظات (طرطوس، اللاذقية، حماة، حمص) ما يزيد على 80 ألف فحص لهذه السرطانات.
كما وتابع البرنامج سعيه لمواكبة التطور العلمي والطب الحديث المسند بالدليل علمياً وواقعياً لما له من أثر كبير وعميق في تقليص الزمن بين التشخيص والعلاج من خلال تطوير المنظومات الطبية. حيث عمل على تطوير وتحديث ووضع بروتوكولات متعددة تواكب أحدث ما توصل إليه العلم، وهي الكشف المبكر عن السرطان وعددها 3 بروتوكولات بنسبة إنجاز 100 بالمئة، والعلاج الإشعاعي وعددها 9 بروتوكولات بنسبة إنجاز 82 بالمئة، والعلاج الكيماوي 8 أجهزة تشمل ما يقارب 23 نوعاً ورمياً، وبالإضافة إلى بروتوكولات العلاج التلطيفي (بروتوكول واحد مخطط له خلال عام 2022).
كما تم تطوير البنية التحتية لمراكز علاج الأورام في سورية من خلال السعي لاستمرار مشفى البيروني من ناحية تقديمه العلاج الكيماوي للكبار والصغار ودعم حصوله على التجهيزات اللازمة، حيث تم إنجاز توسعة لقسم سرطان الأطفال الذي تديره جمعية بسمة، كما تم تفعيل العمل في قسم العلاج باليود المشع في مشفى تشرين الجامعي وافتتاح مركز زرع الخلايا الجذعية الدموية في مشفى الأطفال الجامعي في عام 2020 من السيدة الأولى أسماء الأسد.
وكان لمركز التشخيص والعلاج الإشعاعي في البيروني – المزة أولوية البرنامج لأسباب لوجستية تتعلق بتوافر عوامل السلامة الأساسية المطبقة عالمياً، وتوافر الكوادر الطبية والفنية، بالإضافة إلى أن مشفى البيروني هو المشفى الوحيد المتكامل والمتخصص بعلاج السرطان في سورية حيث يقدم خدماته لما يزيد على 70 بالمئة من إجمالي مرضى السرطان.
وبجهود لا تعرف الاستكانة والإذعان للصعوبات تم شراء واستقدام جهازين من أحدث أجهزة معالجة السرطان إشعاعياً ليكون هذا المركز هو حصاد أعوام طويلة من العمل ليصبح بيئة متكاملة تكنولوجية بشرية وإدارية أيضاً، وانطلاقاً من ضرورة تقديم العلاج المناسب واللائق لجميع المرضى جاءت هذه المنظومة حيث تتمتع بدقة عالية تصل لأكثر من 95 بالمئة في استهداف الخلايا السرطانية وحماية النسج السليمة وبالتالي منع الحروق التي يمكن أن تصيب المريض جراء تعرض الأعضاء السليمة للإشعاع، تعتمد على تقنيات مطابقة مزدوجة ولا تعمل ما لم تصل نسبتها إلى 95 بالمئة وبالتالي لا مكان للتدخل البشري، مقارنة بأجهزة الكوبالت التي تعتمد اعتماداً كاملاً على خبرة الفنين الذين يعدون أبطالاً حقيقيين قدموا كل إمكانياتهم لعلاج مرضى السرطان على الرغم من كل الصعوبات والخطورة الناجمة عن التعرض للمنابع المشعة.
ويزيد عدد المرضى المعالجين يومياً مع هذين الجهازين بنحو 50 مريضاً وسيتم زيادتهم لتصل إلى 160 مريضاً، بعد زيادة عدد الفنيين وساعات العمل مما يعني تخفيض مدة الانتظار من 6 أشهر أو أكثر إلى 3 أشهر، ولكن هذا الأمر لن يكون مستداماً إلا إن تابع البرنامج سعيه لزيادة عدد الأجهزة والكوادر المؤهلة والمدربة لعلاج المرضى.
بالتالي تحققت قدرة أعلى على توفير مقومات ومتطلبات مواجهة مرض السرطان وما هذا المركز إلا خطوة للأمام من خطوات كثيرة وثابتة يخطوها البرنامج الوطني للتحكم بالسرطان تجاه إنجازات أكبر ضمن رؤية وطنية شاملة.
تشبيك مع جميع الجهات
بدورها رئيسة اللجنة الوطنية للتحكم بالسرطان أروى العظمة قالت: حققت اللجنة خلال ثلاث سنوات من عملها إنجازات كثيرة على صعيد الخطة الوطنية، وذلك بالتنسيق والتشبيك مع جميع الجهات المعنية الحكومية والأهلية من خلال تعزيز الشراكات الإستراتيجية والفعالية التشغيلية، وعلى مراجعة وتطوير الخطة الوطنية للتحكم بالسرطان وتحديد أولويات عملها، كما تعمل على تطوير العلاقة مع الجهات الرسمية والمراكز بالدول الصديقة والجهات العالمية ذات الصلة بالسرطان، وتحرص على تعزيز العمل المؤسساتي وتحقيق فعالية عملياتية.
وتعمل على ضمان تطبيق برامج مسح وكشف مُبكّر فعّالة لإنقاص مُعدلات المصادفة والوفيات، وفي خطوة جديدة وغير مسبوقة سعت لإطلاق حملة وطنية مُركبة للتقصي عن ثلاثة سرطانات بآن واحد هي الثدي وعنق الرحم والبروستات، بهدف إجراء مسح شامل لشرائح مُجتمعية مُختلفة ونشر الوعي حول أهمية الكشف المبكر.
ولعل إيصالها لخدمة المسح إلى الريف، عن طريق تسيير أربع وحدات فحص مُتنقّلة مُجهزة على مُستوى عالٍ بكل التجهيزات اللازمة، هو من أهم ميزاتها وقد كان هذا تعبيراً عن اهتمام الرئاسة بأبناء الشعب في كل مواقعهم.
ونوهت بأن اللجنة تعمل من خلال هذا الهدف على تطوير البنى التحتية وتأهيل الموارد البشرية في مرافق التشخيص والعلاج جنباً إلى جنب مع تطوير البروتوكولات الوطنية بمعايير قياسية عالمية للتشخيص والعلاج مع الأخذ بالحسبان ضرورة مواكبة التطوّرات التشخيصية والعلاجية العالمية في كل المؤسسات الصحية السورية، كما تعمل على التخطيط لافتتاح مراكز جديدة تخدّم جميع مرضى السرطان بجودة عالية ومعايير عالمية لتتم تغطية كل المناطق الجغرافية في سورية بكل خدمات التحكم بالسرطان.
وقد تم تطوير مركز التشخيص والعلاج الشعاعي في فرع المزة لمشفى البيروني، وتأمين التجهيزات التشخيصية والعلاجية، وفي النصف الثاني من عام 2022 انتهى تركيب وتشغيل مُسرعين حديثين مُنخفضي الطاقة ومتمماتهما من أجهزة تخطيط المعالجة وأجهزة المعايرة، وذلك في المقار التي أهلت إنشائياً لاستيعابها وفق المعايير المطلوبة لتحقيق السلامة الشعاعية، وجرى أيضاً توريد جهاز طبقي محاك عريض الفتحة Simulator CT ومُتمماته بمواصفات عالية، وتطوير الجوانب التدريبية، وركزت اللجنة على أهمية توفير الكوادر البشرية المؤهلة بالشكل المناسب للعمل في مجالات التحكم بالسرطان، وعملاً بحقيقة أنه لا يُمكن لأي جهاز – مهما بلغت حداثتُه – العمل بالصورة المثالية من دون توفير الكوادر القادرة على تشغيله، ودُربت الكوادر الطبية والفنية المخصصة للعمل على الأجهزة الجديدة من خبراء خارجيين.