في 7 أيار المنصرم عقد مجلــس جامعـة الدول العربيــة علــى المستوى الوزاري اجتماعــاً طارئــاً بالقاهــرة صدر عنه القرار 8914 الذي نص على «المساهمة في إيجاد مخرج للأزمة الســـورية برفع المعاناة عن الشــعب السوري الشــقيق، ويحقــق تطلعاتــه المشــروعة للانطلاق نحو المستقبل، ويضع حدا للأزمة الممتدة التي تعيشها البلاد، وللتدخلات الخارجيــة في شــؤونها، ويعالج آثارها المتراكمة والمتزايدة من إرهاب ونزوح ولجوء.. وغيرها»، والمقطع السابق الذي ورد ذكره في حيثيات القرار يشير بوضوح إلى ضرورة وجود «خطة عربية متكاملة» لا تقف عند عودة سورية إلى محيطها الطبيعي الذي تكلل باستعادتها لمقعدها في «قمة جدة» في 19 أيار الماضي، وإنما يتعداه إلى ضرورة تكثيف الجهود لتسويق ذلك المسار دولياً، أميركياً وأوروبياً بالدرجة الأولى، بعدما رحبت به الدول الإقليميـــة ومعها روسيا والصين، حيث تبدو ضرورة الفعل هنا ناجمة عن الاستقطاب العالمي الحاصل راهناً بفعل الصراع الدائر في أوكرانيا، والضرورة إياها تبرز أيضاً من استحالة الوصول إلى توافق دولي موحد تجاه الأزمة الســورية بفعل ذلك الاستقطاب آنف الذكر، فيما الجهود هنا تهدف إلى محاولة «تحييد» الأزمة السورية عن مخرجات ذلك الصراع وما يمكن أن يؤول إليه في مراحله اللاحقة التي يبدو وكأنها على موعد مع تطورات من الصعب التنبؤ بمآلاتها.
تدرك الرياض، التي تقود تلك المبادرة – الخطة، أن من شأن تسويق هذه الأخيرة غربياً أن يعطي الفعل زخماً يبدو لازماً لنجاحه أو لتمام نجاحه بدرجة أدق، وكذا يمنحه «تحصيناً» من هبوب رياح لا شك في أن الولايات المتحدة قادرة على إثارتها بدرجة قد تصبح معوّقاً للأمر الأمر الذي قد يطول، وهو سيطول فعلاً، من الطريق الذي يسعى العابرون عليه في سيرهم ذاك إلى «تبريد» أجواء المنطقة التي ارتفعت حماوتها، قبيل نحو عقد أو يزيد، لدرجات كانت تهدد بذور كل المكاسب التي حققتها دول المنطقة منذ منتصف القرن الماضي الذي شهد نيل هذه الأخيرة استقلالها على التوالي.
رصدت تقارير عديدة، منها ما هو صادر عن مواقع إعلامية أميركية، جهوداً دبلوماسية عديدة قامت بها دول مثل السعودية والكويت والأردن إضافة إلى سلطنة عُمان، والجهود إياها قامت بها سفارات تلك الدول في الولايات المتحدة وكذا داخل بلدان الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على حد سواء، وفي السياق أشارت تلك التقارير إلى أن ثمة توافقاً جرى بين تلك الأطراف غداة اجتماع سفراء «الرباعية» في واشنطن مطلع الأسبوع الماضي على ضرورة «التحدث مع مراكز صنع القرار الأميركي بلغة واحدة، وبنبرة موحدة» فيما يخص «التوجه العربــي الجديد تجاه سورية»، مع الإصرار على أن «القرار 8914 الذي اتخذته جامعة الدول العربية لا رجعة فيه»، كما جرى التوافق بين الأطراف سابقة الذكر على أن الخطاب الموجه إلى أعضاء يمثلون مراكز ثقل في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين يجب أن يتركز على المخاطر التي يشكلها اســتمرار الأزمة السورية على الأمن القومي العربي وعلى الاقتصاديات العربية التي راحــت تداعيات تلك الأزمة تظهر على نسجها بوضــوح منــذ أعوام، في حين أن تداعياتهــا على الأولى، أي على الأمن القومي العربي، كانت قد تمظهرت جلياً منذ أعوام الأزمة الأولى عبر قضايا عديدة مثل «مشاكل الحدود» والمنظمات الإرهابية التي راحــت تتكاثر بفعل فقدان الاستقرار، إضافة إلى ملف «اللاجئين» الســـوريين المنتشرين في العديد من دول الجوار الســوري، فيما الآمال، تضيف تلك التقارير، تنصب لدى القائمــين بالفعل على إمكان أن يغادر الأميركيون حالة «التفهم» تجاه «السلوك العربي المستجد» التي أبدتهــا دوائر أميركية عديدة من دون أن يكون هناك توافق تام حولها بين كل تلك الدوائر إلى «التأييــد» الإيجابي وخصوصاً أن الإدارة الأميركية الراهنة لا تمتلك بديلاً من ذلك السلوك، ناهيك عن الفشل الذي عانته السياسات الأميركية تجاه الأزمة السورية علــى امتــداد إداراتهــا الثــلاث التي عاصــرت عمــر الأزمة السورية.
من الواضح أن هناك العديد من التحفظات الأميركية والأوروبية تجاه مسألة عودة سورية إلى محيطها العربي، وكذا عودتها للعب دورها في الإقليم الذي كان أشبه بالمحور الذي يدور حوله قطبا الرحى، وإذا ما كان العرب، بقيادة سعودية، مدركين لكل تلك المحاذير الناجمة بفعل تعقيدات من بينها الوضع الجيوسياسي الحاكم للجغرافيا السورية وكذا محاولات الخارج للسيطرة على قرارها، فإنهم يبدون استعداداً للسير على طريق «فكفكة» تلك التعقيدات، أو الوصول إلى حلول وسط لها، واضعين في حسبانهم أن خيار العودة للوراء هو أمر مستحيل انطلاقاً من حقيقة مفادها أن العودة للوراء، ستكون لها ارتداداتها الكبرى ليس على الجغرافيا السورية فحسب بل على كل جغرافيات الجوار التي باتت تعاني التهديد بالانفجار عينه الذي تعانيه الأولى.
تبدو الرياض، ومن ورائها دول عربية عديدة، وكأنها أخذت تسير، ما بعد استصدار القرار 8914، على طريق التمكين الدولي لهذا الأخير ومحاولة إزالة أي تهديد جوهري له، مستندة في ذلك إلى خطة ممنهجة تبدو ليست وليدة هذه المرحلة التي خرجت فيها إلى العلن.