من دفتر الوطن

سباق المسافات القصيرة!

| عصام داري

سؤال يراودني منذ زمن طويل: إلى أي حد يمكن للرياضيين تحطيم الأرقام القياسية المسجلة حتى الآن في شتى الألعاب الرياضية؟

لدي الآن بعض الأرقام القياسية التي يقولون إنها مستحيلة الكسر أو التحطيم، وهي: في الوثب الطويل الرقم العالمي هو 895 سم، أي أقل من تسعة أمتار بقليل، فهل يعقل أن يأتي من يحطم هذا الرقم إلا إذا ركّب محركاً أو أجنحة!

أما الرقم الثاني فهو في القفز العالي فالرقم المسجل هو 239 سم وهو رقم مذهل، فهل يستطيع شخص ما أن يقفز إلى هذا الارتفاع؟ كذلك الأمر بالنسبة للقفز بالزانة، حيث بلغ الرقم القياسي 621 سم.

هذه الأمثلة الثلاثة لكن هناك عشرات الأمثلة الأخرى في بقية الرياضات، فالأرقام وحدها تتحدث.

مع ذلك فنحن في سورية أبطال تحطيم الأرقام القياسية، فنحن شعب استطاع تحطيم الرقم القياسي لخط الفقر وفق تقديرات الأمم المتحدة التي حددت مبلغ 1,90 «ملطوش»، أي دولار في اليوم في عام 2015 وبأسعار سنة 2011، ونحن اليوم في العام 2023!

أي إن أسرة مكونة من أربعة أفراد تحتاج إلى 7 «ملاطيش» ونصف يومياً لتحجز مكانها على خط الفقر العالمي، رغم ذلك استطاع المواطن السوري تحطيم هذا الرقم وهو يضحك ويلعب ويغني: مالي شغل بالسوق، وماذا سنفعل في السوق أصلاً والأسعار نار والغلاء سيد القرار؟

سورية سجلت الرقم القياسي في أسعار البيوت والمنازل والشقق والعمارات وأكواخ التنك والطين في العالم، وخاصة في أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، أي دمشق الفيحاء الغناء.

وكي نحافظ على هذا الفلكلور السوري يجري سباق للمسافات القصيرة بين السادة التجار الأفاضل والحكومة المبجلة، فعندما يتجرأ التجار على رفع سعر المواد الرئيسية اللازمة لحياة المواطن الصامد تبادر الحكومة من جانبها إلى رفع أسعار ما تبقى من مواد: فسعر أسطوانة الغاز -على سبيل المثال- يعادل نصف راتب الموظف، والمحروقات تسرق من هذا الموظف أكثر من راتبه الشهري بضعفين، من دون النظر إلى رفع أسعار السكر والرز والخبز والبن (الكيلو بسعر 100 ألف ليرة) وحتى المياه المعدنية: الفيجة وبقين، ناهيكم عن الطبابة ولزوم المدارس والجامعات وأجور البيوت والكهرباء والماء إلخ!

لكننا نجهل من سيفوز في هذا السباق الشرس، مع أنني ميال إلى مقولة مسرحية غربة: الكأس للحكومة!

وبما أنني تحدثت عن مسرحية غربة فقد تذكرت الفنان الراحل حديثاً أسامة الروماني الذي طرح سؤالاً محيراً: إذا ازداد عدد الأغنياء فرداً، أليس المنطق يقول إن عدد الفقراء سينقص فرداً؟

لكن عندنا يزداد الأغنياء فرداً، فيزداد الفقراء مئات الآلاف، وعلى هذا الأساس تبني الحكومة سياساتها، وذلك من خلال زيارات وزرائها ومسؤوليها ومديريها إلى المطاعم والفنادق من فئة «الخمسة نجوم»، حيث يتم الحجز قبل أسبوع، ولا مكان لوافد جديد كما كان يقول الراحل عدنان بوظو، ومن يشاهد الزحمة لا يصدق أن أعداد الفقراء في زيادة يومية، وزحمة يا دنيا زحمة!.

هكذا نحطم الأرقام القياسية في السراء والضراء، في الأغنياء والفقراء.. ومبارك عليكم أرقامكم القياسية الخالدة!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن