ثقافة وفن

السيد الرئيس بشار الأسد يمنح العالم الآثاري الإيطالي باولو ماتييه وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة … د. نجاح العطار: لن ننسى أنه قدم لبلدنا خدمات جليلة ونشر عن إيبلا مؤلفات مهمة

| إسماعيل مروة

منح السيد الرئيس بشار الأسد وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة للباحث البروفيسور الإيطالي باولو ماتييه، الاسم الذي ارتبط بسورية وآثارها على مدى عقود، وكان له فضل اكتشاف حضارة إيبلا وإظهارها للعالم، لتكون الحضارة العريقة المغرقة في القدم، الباحث الذي خرج من روما وجامعتها لتكون سورية وآثارها عشقه الأول، ويرأس بعثات آثارية إيطالية اعترفت أوروبا وكل دول العالم بأن لها الفضل في تظهير حضارة سورية القديمة من أبجدية وموسيقا ونوتات ومجتمع.. عاد باولو ماتييه إلى سورية للمشاركة في مؤتمر آثاري عالمي، فحظي باهتمام السيد الرئيس عندما منحه وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، تقديراً لوفائه وحبه.. وتم تقليده الوسام في المتحف الوطني بدمشق، وقلّده الوسام السيدة الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية، وبحضور عدد من الوزراء والآثاريين العلماء والمهتمين.

عيد حضارة ومودة

تحدثت د. نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية ممثل السيد الرئيس بشار الأسد في تقليد العالم الآثاري البروفسور باولو ماتييه علىجهوده في خدمة سورية وآثارها وهذا نص الكلمة:

لقاؤنا اليوم هو عيد حضارة وعيد مودة وإننا نقدر جميل أفعالكم في مواقع الآثار وما قدمتم وننزله في قلوبنا أرفع منزلة، لقد عملتم بصمت ومن الصمت أنطقتم الحجر وأعدتم إلى الوجود حياة طواها النسيان وكنتم حفظة على الآثار والأوابد في سورية شواهد حضارات كانت بلادنا ملتقى لها، ولقد آمنا نحن وأنتم أن الحضارة كنز معرفي وهي التي تعطي بلداً ما في عصرنا وفي العصور التي سبقتنا قيمته التاريخية وعراقته الثقافية ومجده العلمي الذي يتناول كل معطيات الفكر والعمل البشري، ونحن في سورية نؤمن بأن أكمل خصال المرء وأدعاها إلى النبل أن يعترف للآخر بجميل فعاله، وهذا ليس من تقاليدنا العربية فقط بل من شعورنا بالواجب أيضاً، نحن وأنتم متوسطيون يجمعنا من زرقة المتوسط وشاح فكري أزرق بعضه عطاء وبعضه أخذ وقد أخذنا جميعاً في التبادل الحضاري والثقافي وأعطينا في التاريخ شواهد على هذا التبادل الخلاق، لذلك عليّ اليوم أن أعترف بالحق من منطلق الموضوعية بأن مملكة إيبلا في أرضنا سورية المحلقة كما في الأعجوبة والعائمة كما في الخيال على بحر من الحضارات الأكثر قدماً في سحيق الأزمنة قد اكتشفها بالعمل الدؤوب والجهد المضني ووضع في أيدينا مفاتيحها العالم الإيطالي الكبير الأستاذ باولو ماتييه الذي تدوي شهرته في أربع جهات الأرض، ولقد كان رائعاً أن يكتشف أيضاً وعبر الرقم التي زاد عددها على سبعة عشر رقيماً، إن مجتمع إيبلا كان فعلاً مجتمعاً علمانياً يسوده نوع من العدالة الاجتماعية غير المعروفة في ممالك أخرى مكتشفة وكان مهماً أن نعرف أن البعثة الإيطالية برئاسة الأستاذ باولو ماتييه كانت تجهد أيضاً في سعيها لاكتشاف أرشيف معاصر للإمبراطورية البابلية في عهد حمورابي وخاصةً بعد أن اكتشفت في أرشيف إيبلا الضخم مجموعة من الآثار المهمة العائدة إلى ذلك العصر، لقد صنع لنا الأستاذ باولو مفاجأة علمية كبيرة دوّى صداها في أربع جهات الأرض باكتشافه حضارة عريقة تتساوى وحضارة وادي النيل وتتوازى مع حضارة ما بين النهرين سواء في القدم أو في المكانة التي تحتلها فما قبل التاريخ المكتوب بحيث أحدثت ضجة في الأوساط العلمية وتغيرات في الكتب الأكاديمية وجعلت الدارسين والباحثين يعيدون النظر في أمور كانت في المسلمات وباتت الآن في المستجدات، وكلما حسبنا أننا استنفدنا معلوماتنا عنها قدمت لنا معلومات جديدة سيكون لها أثر بالغ القيمة بالغ الخطورة في سعينا الأثري لاكتشاف كل الحضارات القديمة التي تزخر بها أرضنا وتعمر بها تربتنا لأنها قائمة عليها مختزنة في أعماقها حتى ليمكن القول دون جنوح إلى المبالغة أن تلالنا وكل بقاع بلدنا هي مستودعات أثرية في جوفها كنوز مرصودة ما زالت تنتظر من يفك عنها الرصد ويكشف اللغز ويخرجها إلى النور، حقائق التاريخ أقوى من فناء الذاكرة وأعصى من صنوف الدهر وهي تظل في الأرض قوة نشور وحجراً ملتهباً بالحقيقة شوقاً إلى إعلانها، سورية أيها السادة العلماء هي في مكان القلب من قارات العالم الثلاث آسيا وأوروبا وإفريقيا وهي التي ربطت حضارة الرافدين والأنضول وحضارة وادي النيل منذ الألف الثالث قبل الميلاد كما دلت مكتشفات ممالك إيبلا وماري وأوغاريت وكانت صلة الوصل بين شعوب البحر المتوسط وشعوب الشرقين الأدنى والمتوسط وفي آثارنا المكتشفة أكبر الدلالات على الإبداعات التي حققها أبناء سورية.

سورية تقرع الآن أبواب مستقبل مختلف مؤمنة أن في دورها الحضاري والإنساني وتعاملها معها ينبغي أن تؤدي رسالتها في الوجود كما أدتها في الماضي وأن تفتح أبوابها لعمل كبير وبناء يضعها في قلب العصر ويجعل منها مركز إشعاع فكري خلاق، وسورية اليوم تستوي على ما أرادته وأراده السيد الرئيس بشار الأسد مركزاً للإشعاع الفكري بعض زيته ماضيها وبعضه حاضرها وأكثرها مستقبلها الذي نحن معه على موعد لا يخيب لأننا مع قائد جريء مقدام مثقف ومناضل صديق للكفاح والمعرفة والعدالة والحرية والتقدم وهو الذي ترتسم النبالة والعفوية والإخلاص والمحبة لشعبه في أعماق روحه وتتجلى وعياً ومكرمات في إنسانية سلوكه.

قرار السيد الرئيس بشار الأسد منح السيد باولو ماتييه وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة تكريماً لاكتشافاته وتقديراً لرسالته التي حملها في عمله الأثري وفيما حققه وفي تعاونه المخلص مع سورية في كل ظروفه، وتفضل السيد الرئيس فأنابني عنه بتقليده هذا الوسام الرفيع للأستاذ الكبير وأنتم تعرفونه جيداً فقد ترأس الأستاذ البعثة التنقيبية الإيطالية وقضى جل عمره منقباً ومدرساً وباحثاً في موقع إيبلا وكان له الفضل في الوصول إلى اكتشافات ضخمة باهرة لها أهمية بالغة، ولن ننسى أنه قدم لبلدنا خدمات جليلة ونشر عن إيبلا مؤلفات مهمة ونظم ندوات ومؤتمرات ومعارض دورية وأسهم في إعداد كوادر سورية مختصة وكل ذلك مع بعثته حيث إنهم وبكثير من الود الصادق ارتبطوا مع شعبنا وبلدنا وغدوا أصدقاء حقيقيين لسورية بشكل خاص، وفي الظروف الصعبة استقبلنا السيد باولو الذي جاء متعاطفاً أجمل تعاطف معنا ومن أجل كل ذلك استحق هذا التكريم والتقدير والاهتمام من السيد الرئيس.

سورية مبعث للحضارة والنور

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» بينت وزيرة الثقافة د. لبانة مشوّح أن المؤتمر بشكل عام هو مؤتمر دولي والحضور الذي نجده فيه من علماء آثار ومنقبين أوروبيين أتوا من هنغاريا والتشيك إضافة إلى خمس بعثات إيطالية تعمل اليوم في سورية، له مدلوله الكبير بغض النظر عن التكريم ذاته لأنه يدل على أن العلماء بدؤوا يعودون إلى نشاطهم على الرغم من كل الضغوط والصعوبات والعوائق التي وضعت في سبيلهم.

وأشارت إلى أن البروفيسور باولو ماتييه يعد نفسه سورياً والبارحة قال: «أنا الآن وطني الأول سورية وليس أي مكان آخر، كنت أحسب نفسي أنه لي وطن ووطني الثاني سورية ولكن الآن أنا سوري بالكامل».

وقالت: «زرعنا له شجرة لرمزية الشجرة ووضعنا اسمه عليها في متحف دمشق حيث الآثار التي ساهم في اكتشافها وإظهارها للعالم وقلت له هذه جذورك اليوم تمتد إلى أعماق الأرض السورية كما تمتد إلى قلوبنا فبكى».

وأكدت أن سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد خير من يكرم العلماء وخير من يقدر هذا الجهد العظيم الذي أضنوا أنفسهم عقولاً وأجساداً وفكراً وتضحيات في سبيل سورية طوال أربعين عاماً ونيف، مشيرة إلى أن هذا الشخص قدم الكثير لسورية وأظهر أجمل ما فيها من كنوز أثرية ووضعها على خريطة التراث العالمي الأثري.

وشددت على أن سورية لا تزال مبعثاً للحضارة والنور وهي قلب العالم ومن دونها لا مكان للحضارة ولا للفكر النير، فمن هنا نبعت الأحرف والفن والنوط الموسيقية والتدوينات.

وأضافت: «سورية هي الأصل وعلى هذه الأرض بنى الإنسان الحضارات الأولى وبالتالي نحن خير من يقدّر من له أثر في بناء الحضارة وهذا الرجل بنى اسمه بالتعب والعرق والعلم وسورية مدينة له، وكل الشكر للسيد الرئيس على هذا التكريم العظيم الذي هو أهل له كما أن المكرّم يستحقه بجدارة».

وسام اليوم أفخر وأعظم مرتبةً

وقال عالم الآثار باولو ماتييه: «أستحضر في ذاكرتي الآن أربعين عاماً من التنقيبات الأثرية التي عملت خلالها على هذه الأرض السورية، حيث بدأت بتلك التنقيبات عام 1963 عندما كنت في ريعان شبابي وكان عمري 24 عاماً، وأنا الآن أصبحت في الـ83 من عمري وكل حياتي خلال تلك السنوات قضيتها في خدمة سورية القديمة وحضاراتها».

وأشار إلى أن اكتشاف إيبلا لا يعني فقط أن سورية بلد حضارة، مبيناً أنه ليس لهذا الاكتشاف أهمية محصورة في سورية وحدها فقط ولا في المنطقة بل تشمل أهميته المعرفة العالمية ونشأة الإنسان ككل ونشأة المدن الأولى في التاريخ.

وأضاف: «خلال السنوات الأخيرة تلقيت تقديراً من دول كثيرة بالعالم كالسويد والنمسا وفرنسا وغيرها، ولكنني اليوم أقلّد وساماً أفخر وأعظم وأعلى مرتبة من كل تلك الأوسمة والشهادات، إنه وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة الذي قلدت إياه من الرئيس بشار الأسد».

وتابع: «خلال خمسين عاماً في سورية كنت أجد عملي في التنقيب رغم صعوبته عملاً سهلاً بسبب لطف وتعاون كل طاقم العمل في المديرية العامة للآثار والمتاحف وبسبب كياسة ولطافة الشعب السوري، وأنا أفخر بأن جامعتي جامعة روما قلدت السيدة الأولى أسماء الأسد الدكتوراه الفخرية وأنا سعيد وفخور بأنني يمكن أن أُعتبر بروفيسوراً بالنسبة لسيادتها».

بقي وفياً حتى في الحرب

وفي تصريح خاص لـ «الوطن» رأى محمد نذير عوض مدير الآثار والمتاحف أن: التكريم للآثار والمتاحف هو تكريم لمن يعمل على حماية هوية الوطن تراثه وماضيه وحاضره ومستقبله.

التكريم اليوم استثنائي لعالم وباحث أمضى سنوات طويلة في سورية وأصبح مواطناً سورياً بكل معنى الكلمة وقدم الكثير من خلال أبحاثه ومحاضراته في الندوات العلمية والمؤتمرات الدولية والجامعات ومراكز البحث.

فهو قدم الكثير للتعريف بحضارة سورية وبآثارها وبقي وفياً لهذا البلد حتى خلال فترة الحرب فكان دائم التواصل معنا وقدم الدعم باستمرار بكل أشكاله.

وساهم في أنشطة وفعاليات مهمة في روما وإيطاليا ككل لتعريف العالم بالحضارة السورية ويصور حجم الهجمة الوحشية على التراث الثقافي السوري فهو مؤمن بحضارة سورية وعراقة تاريخها وتراثها.

ورغم أنه تقدم في العمر إلا أنه مصرٌ على القدوم إلى دمشق لحضور المؤتمر المهم الذي عقد في المتحف الوطني بدمشق فهو محب لسورية ولحضارتها.

فالتكريم تكريم لكل الرواد والمحبين والذين آمنوا بحضارة سورية وبرسالة تراثها الثقافي كرسالة للسلام.

البروفيسور باولو ماتييه

عالم آثار، ولد عام 1940 (83 سنة) في إيطاليا- روما.

يشغل حالياً منصب أستاذ شرف Emeritus professor وأستاذ جامعي أول في «علم الآثار وتاريخ فن الشرق الأدنى القديم» في جامعة روما La sapienza (حصل على درجة الدكتوراه من الجامعة ذاتها.

حاصل على دكتوراه فخرية Honorem Doctorate من جامعتي مدريد وكوبنهاغن.

حصل على عضوية بعدد كبير في اللجان العالمية المرتبطة بالثقافة والتراث بالإضافة إلى عضويته بالعديد من اللجان العلمية للمجلات الدولية.

حصل على عدة جوائز، وبعام 1995 حصل على وسام الاستحقاق رتبة «فارس الصليب العظيم» وهو أعلى وسام يتم منحه للإيطاليين الذين قاموا بإنجازات كبيرة تستحق التقدير ويمنح من رئيس الجمهورية الإيطالية.

ارتباطه مع سورية

اكتشف مدينة إيبلا عام 1964، حيث كان على رأس بعثة إيطالية تتولى التنقيب في موقع تل مرديخ قرب بلدة سراقب في محافظة إدلب وهو مؤسس البعثة الأثرية الإيطالية في تل مرديخ- إيبلا وحالياً يشغل منصب المدير العلمي للبعثة.

قابل الرئيس الراحل حافظ الأسد بعام 1984.

نظم عدداً من الندوات العلمية العالمية عن مدينة إيبلا.

قام بتنظيم عدد من المعارض المهمة في كل من دمشق (الجامعة، مكتبة الأسد، المتحف الوطني)، جامعة حلب، متحف إيبلا في إدلب، المركز الثقافي في حماة، جامعة اللاذقية.

آخر زياراته لسورية بعام 2016 لحضور مؤتمر في المتحف الوطني وبعام 2019 زيارة متحف حلب (بحسب وزارة الثقافة).

حصل على وسام الاستحقاق السوري- الدرجة الأولى والثانية من رئيس الجمهورية العربية السورية بعامي 1978 و1986.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن