ربما تعد هزيمة الكيان الإسرائيلي في لبنان بعد غزوه العسكري وبكل قواته للأراضي اللبنانية على يد قوات الجيش العربي السوري، من أكبر الهزائم التي لا تزال مفاعيلها ومضاعفاتها عليه تتراكم سنة تلو أخرى، ففي السادس من حزيران عام 1982 اجتاحت القوات الإسرائيلية أراضي لبنان من حدوده الجنوبية وأعلن رئيس الحكومة مناحيم بيغين ووزير الدفاع أريئيل شارون أن أهداف هذا الغزو العسكري هو تصفية الفصائل الفلسطينية المسلحة والجيش العربي السوري وإبعادهم من لبنان وفرض اتفاقية استسلام على حكومته، وذكرت التحليلات الإعلامية السياسية والعسكرية في ذلك الوقت أن تحقيق هذه الأهداف سيكون سهلاً وسريعاً بعد أن أصبحت جبهة مصر خارج الصراع في أعقاب توقيع الرئيس محمد أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، وتبين في النهاية أن محور المقاومة ظل يقاوم وأجبر جيش الاحتلال على الانسحاب وأحبط كل أهدافه بما في ذلك خطة فرضه لاتفاقية استسلام على لبنان.
وبفضل هذا الانتصار، ظهرت جبهة جديدة تقودها المقاومة في جنوب لبنان وتعوض عن غياب جبهة مصر، فبعد الانتصار في عام 2000 أصبحت جبهة محور المقاومة بقيادة حزب اللـه وبقية الفصائل الفلسطينية وسورية وإيران، تهدد الكيان من الشمال وتفرض ميزان قوى تزداد فيه قدرة الردع في كل يوم، وفي جنوب فلسطين، تمكنت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في عام 2005 من تحرير القطاع بعد أن أجبرت جيش الاحتلال على الانسحاب ونزع المستوطنات منه، فولدت جبهة مقاومة جنوبية ضد الكيان لتحل محل جبهة مصر، وبقي الكيان محاصراً بثلاث جبهات شمالاً وجنوباً ووسطاً بفضل مقاومة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية ومدينة القدس، وفي عام 2006 كبدت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب اللـه جيش الاحتلال هزيمة ثانية أثناء تصديها لعدوان تموز وتعاظمت قدرات ردعها أكثر من أي وقت مضى بعد هذه الهزيمة، واعترف قادة الاحتلال بالهزيمتين حين أطلقوا عليهما حرب إسرائيل الأولى في لبنان عام 1982 وحربها الثانية عام 2006.
وفي تحليله للهزيمتين يعترف المختص في جامعة تل أبيب بشؤون لبنان وسورية إيال زيسير أن «إسرائيل تلقت هزيمة في الحرب الأولى وليتها لم تشنها لأنها حملت معها هزيمة ثانية عام 2006 وحلت منظمة حزب اللـه محل المنظمات الفلسطينية التي خرجت من تلك الساحة وشكلت جبهة لبنانية مدعومة من سورية وإيران يزداد خطرها على إسرائيل».
المفكر الصهيوني المعاصر عاموس عوز الذي كان من أشرس المحرضين على حروب إسرائيل، ألقى محاضرة قرأ نصها في 17 شباط 2015 في ندوة سياسية عقدها له «معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي – INSS» الذي يعد من أهم مراكز الأبحاث الأمنية الإستراتيجية في الكيان الإسرائيلي ويديره عادة أهم العقول من الشخصيات العسكرية والسياسية التي تولت مناصب رفيعة في دوائر الأبحاث والدراسات في هيئة الأركان وأقسام أبحاثها العسكرية الاستخباراتية والإستراتيجية، وقال فيها: «في هذه القاعة هنا يجلس جميع أنواع الحكماء وربما في هذه القاعة نفسها يوجد من يقول لنا ويكرر بأن لا حل لهذا الصراع، ولذلك يلجأ إلى استخدام مبدأ «إدارة النزاع» وربما الأجدر بهؤلاء أن يلتفتوا إلى حقيقة أن نتيجة «إدارة النزاع» ستظهر بنفس ما ظهرت فيه في الصيف الماضي، لأن «إدارة النزاع» تعني في الحقيقة حلقة متسلسلة من حرب لبنان الثانية والثالثة والرابعة والخامسة، حلقة من سلسلة عملية الرصاص المسكوب، وعملية عامود السحاب وغيرها».
ويضيف معترفاً بهزائم الكيان الإسرائيلي: «سوف أخبركم الآن عن أمر ما مختلف ويثير النزاع في هذه القاعة وهو أننا منذ حرب حزيران 1967 لم نحقق أبداً أي انتصار في أي حرب بما في ذلك حرب تشرين 1973، ففي الحرب حتى لو أحرقنا دبابات أكثر مما أحرق لنا العرب، وأسقطنا المزيد من طائراتهم، وقتلنا المزيد من جنودهم، وقمنا بغزو أراضيهم، فهذا لا يعني أننا انتصرنا في هذه الحرب، فالمنتصر هو من يحقق أهدافه والخاسر هو من لا يحقق أهدافه».
من الواضح أنه يقول بعبارة أخرى إن المقاومة لن تسلم بوجود هذا الكيان الغاصب ولن تتوقف عن المقاومة التي صنعت هذه الانتصارات وأحبطت أهداف الكيان، ويختتم قائلاً: «ربما أرى من هذا المنبر ضرورة للكشف أمام هذا الحضور عن أهم سر أمني نحرص عليه ويخضع للرقابة وهو أننا فعلياً أضعف من كل أعدائنا».
ومات عوز في عام 2018 بعد أن شهد انتصار سورية على أكبر حرب كونية ضدها وثبت ما توقعه منذ عام 2015 من هزائم لجيش الاحتلال.