وأخيراً خبر سار تلقاهُ السوريون، لا انقطاع للإنترنيت مع انطلاقِ امتحانات الشهادتين الثانوية والإعدادية، «هرِمنا» من أجلِ هذهِ اللحظة التاريخية، يحق لنا أن نفرح مع هذهِ النقلة النوعية في التعاطي مع فكرة الامتحان، لكني أُدرك تماماً أنهُ وبعد نشر هذهِ الزاوية هناك من سيقوم عبرَ التعليقات ويصحِّح لي بأنَّ اسمها أصبح «شهادة التعليم الأساسي»، أعرف ذلك لكنني «دقة قديمة» حيثُ إن كلَّ تفصيلٍ من تفاصيلِ الزمن الجميل سأبقى متشبثاً بهِ حتى آخر حرفٍ أكتبه، ستبقى بالنسبةِ لي المريولة وبدلة الفتوة أجملَ من كل ما تستعرضهُ بيوتات الأزياء العالمية، ستبقى الإشارات الحمراء والصفراء التي كنا نضعها على أكتافنا هي نيشانات إخلاصٍ للحب والعلم، ما أجملَ الحب عندما تختصرهُ بوردةٍ ممن تحب تضعها بين صفحات كتاب التربية الوطنية مثلاً، أما لمن سيسأل من جيل الإنترنيت ولماذا كتاب التربية الوطنية حصراً فلأنهُ الكتاب الوحيد الذي لن يفكر والدك أو أشقاؤك وشقيقاتك بامتحانِك به!
حتى لحظات الخجل التي كانت تبدو على محيانا إن تلاقَت نظراتنا بنظراتِ طالبات مدرسةِ البنات المجاورة هي بالنسبةِ لي كما الأوابد الأثرية التي تضعها الأونيسكو على لائحة التراث العالمي، محمية بموجب قانون الانتماء، خارجَ حدود النقد بموجبِ قانون عدم إصابة ذكرياتنا بالوهن، فلا التسميات هي التي تصنع للعلمِ نقلته ولا الملابس هي التي توشِّح الطالب طاقيةَ النجاح.
لكن بعيداً عن الماضي الجميل يبقى كابوس الامتحانات هو الكابوس الأصعب الذي يعيشهُ الطالب لدرجةٍ لم يعد يمر فيها عام إلا وتحصد الامتحانات روحاً بريئة ارتقت لباريها، هناك من يظن أن هذه الحالة هي فقط في سورية، نتيجة لطبيعةِ المناهج التي تحتاج فعلياً لمراجعة شاملة أو نتيجة لآلية اختيار الطالب للطريق الذي سيكمل فيهِ مجالهُ التعليمي حيث يتم حشو كل المعلومات في السنة الأخيرة، لماذا لا توزع هذه المعلومات على عدةِ سنوات؟
لكن في الحقيقة تبدو هذه المقاربة متزمتة قليلاً فالضغوط الامتحانية يعيشها الطالب أينما كان البلد الذي يعيش فيه، وحالات الانتحار أو الموت المفاجئ نتيجة لهذهِ الضغوطات موجودة في كل دول العالم، على العكس ربما لو تكلمنا بواقعيةٍ أكثر فقياساً بما يعيشه الطالب السوري من ظروف قاسية نتيجة الأوضاع الداخلية حيث اتحاد مجموعةٍ من الضغوطات يُضاف إليها ضغط الامتحان كالمستقبل الغامض وفرص العمل بعد الانتهاء من الدراسة وصولاً إلى الخدمة الإلزامية، مع ذلك تبقى حالات الوفيات أو الانتحار ضمن الحدود الدنيا، إذاً يمكننا القول إن الطالب لدينا تكيف مع هذه الضغوطات لكن هذا التكيف علينا استثماره في الطريق الأمثل لا أن نجعله سبباً لنلقي عليه المزيد من الضغوطات!
في الخلاصة: في كل عام تعود الامتحانات لتوحي لنا بالكثير من الأفكار مع تأكيد أن فكرة الامتحانات لا بديل لها مهما كثرت البروباغندا بأن هناك دولاً قامت بإلغائها، لكن هناكَ أشياء يمكن فعلها، فكارثة الزلزال مثلاً تحتم على وزارة التربية اختيارَ نوعية أسئلة تكثر فيها الأسئلة الاختيارية، جميع دول العالم تتعاطى في الظروف الاستثنائية بطريقة استثنائية لأن الطالب في النهاية ولو تلقى مساعدةً نتيجة لهذهِ الظروف، فلن يكمل مسيرته التعليمية في الجامعة إن لم يكن بمستوى التخصص، فعلامَ الخوف؟
رحم الله كل من انتقل لجوار ربه نتيجة الضغوط التي نعاينها كسوريين وبالتوفيق لأبنائنا الطلبة.