ثقافة وفن

كان الليل طويلاً

| إسماعيل مروة

منذ أمد طويل طويل يمتد لأعمار اشتعلت حرب استهلكتنا سورياً وإنسانياً وروحانياً، لحقبة استهلكت قوتنا وحرماتنا وكل ما كنا نعتقده، وما لا نزال نعتقده، ولكن المدة الزمنية غيرت من قناعات كثيرين، كانت قناعاتهم هشة وضعيفة.. ومنذ أمد بعيد اشتعلت النار، وجمعوا لها الحطب، وحين انتهى الحطب الجاف قطعوا أشجار الوطن، ورؤوس الناس لتشتد النار، وليزيد لهيبها ويحرق إبراهيم وكل ما يمكن عن إبراهيم وذريته التي تركها بوادٍ غير ذي زرع.. لم تبق وزغة أو هامة لم تنفخ في النار لإحراق إبراهيم السوري، حتى أتباعه بفسادهم نفخوا على النار وأرادوا الاحتراق له، ولم يتخيلوا نجاته في يوم من الأيام! الوزغ (أبو بريص) وحده كان على قناعة بأن إبراهيم السوري انتهى ولن تقوم له قائمة، ولكن من رأى إبراهيم وطناً كان على يقين بأنه سيرفع معه قواعد البيت، وبأنه سيعود، فاستقبل أمر ربه، وقال له: افعل ما تؤمر، وضع رقبته على مذبح الحب، لأن الحياة ستبدأ مع رفع قواعد البيت..

طحنت النار من طحنت، وتهيأ أنها لم تبق شيئاً لم تحرقه، كانت جائعة بشكل خطير والتهمت بشراً وحجراً وشجراً، وأبناء اسحق كانوا ينظرون إلى النار، يستقدمون الوزغ والهوام من كل أركان المعمورة، ما هو موجود لا يكفي لابد من المزيد، ويريدون لقواعد البيت ألا ترتفع، وأولئك الذين كانوا يعيشون بالبناء في رفع القواعد أعادوا هدم ما بنوه، لعلهم يستفيدون من إعادة بناء قواعد البيت، وشاء رب إبراهيم أن تدك الحجارة المنهارة كثيرين منهم، وأن تلتهم النار كثيرين، ولم يدرك الملهمون ما يجري، فالنار حين اشتعلت لن تنطفئ إلا بعد أن تحرق من أشعلها وغذاها، والنار بعد أن تشتعل لا يمكن أن يكون التحكم بها سهلاً، ونسوا أن أول من مات على الخورنق مهندسه الذي وضع فيه براعته، وحين انتهى ألقوه من برج الخورنق ليبقى سرّ البناء مطموراً معه، إنه جزاء سنّمار..

منذ أمد بعيد ونحن يحيا حياة ليس فيها إلا الترقب للعبور من ليل إلى ليل ومن نهار إلى آخر، وكم كان الليل طويلاً طويلاً! وكم كانت ساعات النهار قليلة؟!

لم يدرك الوزغ أنه أول الراحلين، وعلى الرغم من سوء منظره، فهو مقزز ولكنه نادر أيضاً، فقد حكم عليه أن يكون نادراً لسوء فعلته، مع نار إبراهيم كان كثيراً، وفي نار إبراهيم السوري تصدر المشهد في كل مكان، ينفخ وينفخ، وقبل أن تنتهي النار التهمت المزيد من الوزغ.. اختاروا لهم أسماء في حياتنا المعاصرة تختلف كثيراً، تعطيهم هيبة ومكانة، وتجعلهم عصريين وفي الصدارة، لكنهم لم يخرجوا عن الحقيقة..! كل ما ينفثونه من حقد وكره يذهب ولا يترك أثراً، الزوابع التي أنشؤوها لم يعد لها من مجال، ولا أحد يذكرها!

النار لم تكن برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم

الإنسان انهار

النار التهمت الأرض والبشر والحجر

كانت النار عنيفة ومنذ أمد بعيد

اليوم وقد ضاقت النار، ونجا من نجا هل يلبس الوزغ ثوباً جديداً ليعود ويقدم عظات..؟ هل يمكن أن تتجمل صورته بانتظار نار تلتهم كل شيء؟ هل كتب على هذه الأرض أن تدفع ثمن النار المستعرة؟

انحسر الوزغ ويحاول أن يكون واعظاً، راجعوا ما ينفخه في كل مكان، والسوري يردد مع فيروز العظيمة (طلعلي البكي) لا يعرف تبكي ممن، ولا من أي شيء!! فهل يداويه البكاء، أم البناء؟ وهل يطرب لهذا النغم الحزين فيسود الوزغ من جديد؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن