زارت السيدة الأولى أسماء الأسد في الخامس من الشهر الجاري، مركز التشخيص الإشعاعي المطور في منطقة المزة بدمشق، أحد المراكز الكبرى لمشفى البيروني لعلاج الأورام في سورية.
وجرى الإعلان في سياق تلك الزيارة، عن تزويد هذا المركز بجهازي مسرع خطي، هما الأحدث عالمياً.
فتحت هذه الواقعة صفحة جديدة ناصعة في تاريخ تدبير مرضى السرطان في سورية.
أستند في هذا التقييم إلى أمرين:
1- الأول، ما قاله لي المدير العام لمشفى البيروني الدكتور محمد القادري عندما سألته عن تلك الواقعة: تم بدعم ورعاية كريمة من سيدة الياسمين وسيد الوطن، رفد مشفى البيروني – قسم المزة- بجهازي مسرع خطي منخفض الطاقة مع جهاز تخطيط المعالجة ومحطة حساب، توزع الأشعة مع الملحقات كافة.
وهذه الأجهزة تسمح بإعطاء المعالجة الشعاعية لمرضى الأورام، بدقة عالية وبزمن قصير نسبياً وبتأثيرات جانبية منخفضة مقارنة بالأجهزة القديمة، كما أن هذه الأجهزة عندما تصل إلى طاقتها الاستيعابية الكاملة ستساعد على إنقاص فترة انتظار موعد المعالجة الشعاعية وستؤدي إلى ارتفاع نسب الشفاء.
2- الأمر الثاني: اطلاعي على الملف المهم المنشور بمجلة العلم والحياة الفرنسية في عدد تشرين الأول 2022، إذ غطى غلافها عنوان لا يقاوم: (الانتصار أخيراً على السرطان). احتوى الملف على معلومات ومقابلات مع كبار العلماء وإحصاءات، وأهم ما جاء فيه أن مرض السرطان هو السبب الثاني للوفاة عالمياً (10,08 ملايين إنسان)، وتأكد العلماء أن 40 بالمئة من الإصابات يمكن تجنبها بالابتعاد عن التدخين والإفراط بالمشروبات الكحولية، وجاء في الملف أن الإصابة بالسرطان قد ازدادت بنسبة 65 بالمئة خلال العقود الثلاثة الماضية، ولكن العناية بالمصابين حققت تقدماً كبيراً وارتفعت إمكانية تجنب السرطان إلى 50 بالمئة.
ولعل أهم ما جاء في ذاك العدد من تلك المجلة، أن هناك 6 معالجات جديدة قادرة على قهر السرطان من أهمها العلاج الإشعاعي بالمسرع الخطي الحديث، إلى جانب العلاج المناعي واستخدام الروبوت (الرجل الآلي) واللقاح.
عرفت سورية قبل الحرب الجائرة عليها جهازين من أجهزة المسرع الخطي القديمة وتعطلت ولم يتم إصلاحها بسبب الحصار والتكاليف الباهظة إذ أخبرني الخبير في منظمة الصحة العالمية يحيى بوظو أنه عندما كان يعمل في مكتب المنظمة بدمشق طلب أحد المشافي الخاصة مساعدته في إصلاح جهازه المعطل وكان أرخص عرض للإصلاح 200 ألف دولار.
ويقدر بوظو سعر المسرع الخطي منخفض الطاقة حالياً بمليوني دولار، في حين أن الغرفة المعزولة بالرصاص التي يوضع فيها تكلف أيضاً مليوني دولار.
وإذ نلاحظ أن الواقعة التي نعلق عليها لم تقتصر على مسرعين خطيين فقط بل شملت البنى التحتية لهما وأجهزة إلكترونية ملحقة، ما يجعل التكلفة باهظة جداً، في وقت يعرف فيه الجميع أن علاج الأمراض السرطانية في المشافي السورية الحكومية هي مجانية 100 بالمئة، علماً أن ما بين 70 إلى 80 بالمئة من مرضى السرطان في سورية يتلقون علاجهم التشخيصي والجراحي والإسعافي والكيميائي في مشفى البيروني الحكومي المركزي.
وبهذا المعنى فإن الواقعة الجديدة خطوة كبيرة إلى الأمام للتخفيف من آلام ومخاوف مرضى السرطان المقدر عددهم في سورية 17300 مريض كل عام، حسب أرقام وزارة الصحة للعام 2020.
في سياق البحث لكتابة هذه المقالة، قرأت مستعينا بمحرك البحث غوغل، أن تكلفة الجلسة الواحدة للمسرع الخطي في المشافي الجامعية المصرية 1000 جنيه مصري ويرتفع الرقم إلى 10000 في المشافي الخاصة..
ويضطر مريض السرطان إلى المسرع الخطي بصفته علاجاً إشعاعياً يتوجه مباشرة إلى الخلية السرطانية ليقتلها من دون أن يؤذي الخلايا السليمة ومن دون أن يسبب بعض الحروق.
تضاف أجهزة المسرع الخطي منخفضة الطاقة وملحقاتها إلى كثير من الإجراءات والإنجازات التي عرفناها في سياق الاهتمام والمتابعة الدؤوبة لهذا المرض الخبيث، ما يحمي عدداً غير قليل من السوريين من الموت، ويجنبهم الكثير من الآلام.
إنه لجهد نبيل جدير بالاحترام والتقدير.