إن الثقافة تحتاج إلى شيءٍ يُشبه «قناديل المعرفة الخلاقة» تحتاج إلى من يوقدها ويوقدُ هذه المصابيح عظمة ألقها الدائمة ويختار مسارها السائر نحو الألق الثقافيّ، أي مسار النور الثقافيّ الأبقى؟ وخارطة فصولها البهية؟ فصول الثقافة المُتأرجحة بين حالٍ وآخر والتي تكمن بين أزمنة المعرفة وما يحدّها في مُبتدأ السؤال وجوابه، وجوازم فعله الذي يمتد أمره الثقافيّ وجوازم حلمه الآتي، هذا الفعل الثقافيّ الذي يجب الاستدارة حوله والذهاب من خلاله إلى حيث مكامن الضّوء المنبعث من هذا الفعل الثقافيّ أو ذاك وبالتالي يُحبّذ الذهاب إلى أنهاره الدافقة عذوبةً والهاطلة ثقافةً بما يجعلنا نُحدّد آلية المسار الثقافيّ بشكله الفعليّ الصحيح.
وبما يمكن أن يأتي ويوقد قناديل العظمة الثقافيّة، عظمة الشيء الذي يرفد الفكر الإنساني ويمسك بيده إلى جادة الصواب ويصيغ بذلك فعل التصويب الثقافيّ المرتجى ويوقد بعض الشموس الثقافية ويجعلها متوهّجة اللّغة المعرفيّة وتصوغ ما يُسمّى بذاك «انعكاس الضّوء الثقافيّ» الذي يظهر بكل تجلياته التي تنعكس على كلّ مناحي الحياة أو بمعنى آخر وتصيغُ قولبة الأشياء بلحنٍ ثقافي مختلف ومتجدّد ودائم الحضور، وهذا بحد ذاته يجب أن يتبلور «الشاغل الثقافيّ» والهدف الذي لا يمكن المحاذاة عنه، والانشغال بأمرٍ لا يمتد إليه، ولا ينتمي إليه في جوهر التصابي الثقافيّ، وتصابي الفعل الثّقافيّ الإبداعيّ.
كلّ هذا يُبرز علائم الفكر الثقافيّ ونباهة الاستجابة له يمكن إلا التبصّر ببعض دساتيره، بعض أحكامه الثقافيّة أو الإبداعية التي تقول فيما تقول: إن الإبداع يجب أن يكون مصابيح دائمة الالتماع، ومتوهّجة النُّور الثقافيّ في الشكلِ والمضمون.
كلّ هذا يوقد الكثير من «المصابيح الثقافيّة» ويُسقي شجرة التميز الثقافيّ ويسمو بشأنها العام ويمنحها بعض استحقاقها، أو يمنح الاعتبار الثقافيّ بمعناه الحقيقي وبوصلته القويمة..
ونقصدُ هنا بوصلة الشيء الذي نطمح إلى الارتقاء منه وإليه ونطور بذلك هذا الفعل الثقافيّ أو ذاك نطور الشيء الكثير من فحواه وحاله الإبداعيّ الذي ينتقل من حالٍ إلى آخر وهذا الحال يبدأ فيما يبدأ به بقصص الاعتناء والبحث المتكامل عن منظومة القيم الثقافيّة التي نتحدث عنها الآن
والتي لا يمكن الاستغناء عنها، الاستغناء عن مكنونها العظيم وبالتالي لا يمكن إلا الالتفات إلى ذاك النهر «نهر الثقافة العظيم» الذي يحمل فيما يحمل شيئاً من روافد الإبداع الخصبة والتي ينبع منها في أصل الشيء وجوهره، والاستسقاء المحوريّ.. ذلك الحال المستقدم في أحقية الارتقاء، ذلك الارتقاء الذي لا يعرف فنون الاستكانة، لا يعرف إلا مفهوم القولبة المتجدّدة التي نريدها، من حيث علائم قبسها المهم ومن حيث عظمتها أو «عظمة المصابيح والنُّور الثقافيّة» التي يجب أن تكون ولادة الإبداع في كلِّ آن وحينٍ.