ثقافة وفن

«أسقف»… معرض فني لموفق السيد في الآرت هاوس … وزيرة الثقافة: ذهلت من المنتج الفني.. لوحات بمستوى آخر استمدت منهجيتها من السريالية لكنها تجاوزتها

| مصعب أيوب - تصوير: مصطفى سالم

برعاية وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح وبحضور فني وشعبي افتتح مساء الإثنين معرض فني بعنوان (أسقف) للفنان موفق السيد، وقد ضم ٣٣ لوحة هي نتاج تجربته خلال الأعوام العشرة الماضية رسمها بألوان الإكرليك على القماش، وذلك في معرض (الآرت هاوس) الذي فيه من الأصالة والعبق الشيء الكثير بالقرب من ربوة دمشق الجميلة.

السيد لـ«الوطن»: أتيحت لي دراسة الطب لكن شغفي في الرسم جعلني أفضل دراسة الفنون على غيرها

 

دقة التصوير

أوضحت وزيرة الثقافة د. لبانة مشوح أن هذه المرة الأولى التي تزور فيها معرضاً كاملاً للفنان موفق السيد وقالت: في حقيقة الأمر ذهلت من المنتج الفني، لوحات بمستوى آخر استمدت منهجيتها من السريالية ولكنها تجاوزتها، وذلك لأن السيد أظهر مهارة وبراعة عالية في الهندسة المعمارية ولاسيما أنه في الأصل هو مهندس ديكور، وهذا ظاهر بقوة في لوحاته التي تجمع الفكر بالسريالية والتجريد فهي تبتعد بعض الشيء عن العقلانية، إضافة إلى بعد ثالث في لوحاته وهو دقة التصوير والحالة النفسية التي يعبر بها في كل لوحة عن حالة مختلقة عن الآخرة وسيلاحظ الزائر هذا الاختلاف بشكل جلي.

كما أبدت مشوح إعجابها بالتقنية التي ينهجها السيد والهندسية والسريالية والانطباعية وكل هذا يمكن أن تجده في لوحة واحدة.

دعوة لاكتساب الخبرة

وناشدت مشوح طلاب كلية الهندسة المعمارية وطلاب الفنون الجميلة والديكور وأيضاً طلاب السينوغرافيا في المعهد العالي للفنون المسرحية لارتياد هذا المعرض والاستمتاع بهذا الإنتاج الفني والفكري المهم وأن تتم إقامة ورشات عمل حوارية بين الأساتذة والطلاب من جهة وبين الفنان من جهة أخرى من أجل تبادل الرأي والخبرات والابتعاد عن النمطية والتقليدية في نهل العلم والمعرفة.

جذور الفنان بالوطن

وأشارت مشوح إلى أن العديد من الفنانين يضطرون للسفر خارج بلدهم فترات طويلة ولكن هذا لا يعني انسلاخهم عن وطنهم، ودليل ذلك المعارض التي تقام بشكل دائم، فالكثير منهم غادروا سورية وعادوا وبقيت روحهم وجذورهم متعلقة بالوطن فهم يعودون بين الحين والآخر ويحملون في جعبتهم الأفكار الجديدة والرؤى المختلفة ليجسدوها من خلال إبداعهم وفنهم، فإبداعهم لا ينضب ووطنهم يستفيد من هذا الإبداع، والحركة التشكيلية السورية مستمرة في العطاء والتطور وترتقي دوماً إلى مصافٍ مشرفة.

دراسة وتقص

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» أكد الفنان موفق السيد أنه عمل في هندسة الديكور لأعمال درامية عديدة وأنه اشتغل بشكل واقعي وعملي وبنى مدناً كاملة بتخيلاته وتصوراته تبعاً لما يجده في نص العمل الدرامي، وشدد على أن العمل للدراما التاريخية يحتاج إلى دراسات معمقة واطلاع وبحث مكثف لأنه يخضع لضوابط معينة وهو موثق في نصوص تاريخية لا يمكن التلاعب أو العبث في تفاصيلها، وأكد السيد أنه أتيحت له دراسة الطب لكنه ولشغفه بالرسم أحب دراسة الفنون.

ملاذ آمن

وأوضح السيد أن اللوحات المعروضة هي نتاج تجربته خلال عشر سنوات فهي تتمحور حول الأسقف حيث لكل شيء سقف ونقطة التحول بالنسبة له كانت البحث عن الملاذ الأمن تحت هذا السقف مبيناً أنه من الممكن أن يكون الإنسان في لحظة ما في قمة يأسه وهو على سرير أو يتكئ على حجر أو على مقعد في حديقة أو في بيت متواضع أو فاحش الثراء… فهي لحظة يتجسد فيها الإنسان، ومثالها أيضاً الجندي الذي أنهك في ساحات القتال وأخذ قسطاً من الراحة فجسد في لوحاته هذه اللحظة التي يستريح بها، فملخص واختزال تجربته مع هذه اللوحات تجمع تلك اللحظة التي يستكين فيها أحدنا إلى روحه.

الإكرليك أصعب الألوان

وأشار السيد إلى أن بناء اللوحة يبدأ من فكرة أو حلم يقظة وربما حالة نفسية ومن ثم يتم البدء بتجسيدها على القماش، مؤكداً أنه أحياناً يرسم لوحات لجلسة ما وتلفت انتباهه نافذة ما فيصر على أن يصور ما يمكن رؤيته من خلالها.

كما أكد أن الإكرليك هو أصعب أنواع الألوان في الرسم بسبب سرعة جفافه وهذا الجفاف ربما لا يعطي المعنى الصحيح ولا بد من التمرين المكثف والشديد للحصول على سرعة تعامل وتفاعل مع هذا النوع من الألوان، مبيناً أن تراكم التجربة لديها ساعده في البراعة في الرسم والتعامل مع ألوان الإكرليك، ومشيراً إلى أن تعامله في بداياته مع هذا الصنف يختلف كلياً عن الوقت الحالي، فهو أصبح أكثر براعة ونضج واحترافاً فأصبح لديه تلقائية في صنع الاندماج والمزج بين لونين.

تواصل واندماج

الفنان عدنان حميدة أبدى إعجابه الشديد بالمعرض وبلوحاته، مؤكداً أنه مختلف جداً لأنه يمثل انفراد السريالية السورية- الفلسطينية لأنه قلما نجد أحد يعمل على هذه الوتيرة حيث إن العمل الفني تجده كالحلم، وهذا يعطيه طابعاً مهماً ليتراوح للذهن حلم اليقظة الذي لا يمكن تفسيره بالكلام ولكن تستطيع الريشة والألوان فعل ذلك، وبين حميدة أن الفنان موفق السيد من الصعب عليه أن يتحدث عن لوحته لأنه بعد انتهائه من العمل يبقى مسترسلاً فيه ومتواصلاً معه، ويعيشها بكل تفاصيلها ويبقى منسجماً في متعة لا متناهية.

نهج شخصي ومختلف

وشدد على أن السيد يمتلك متعة الخيال ومتعة المعرفة فباتت لوحاته تحمل شيئاً شخصياً من كينونته، وهو يبتعد عن التقليد والرتابة لينهج نهجاً مختلفاً فهو يحضر أغراضه الفنية من الريشة إلى القماش إلى الألوان وما إلى ذلك ويتوج ذلك بخياله الواسع والشخصي، فهو يطمح لتحقيق الرضا النفسي عن عمله الفني بعيداً عن الإغراءات المادية أو المجتمعية فإنه عندما يرضى الفنان عن نفسه ومنتجه الفني بطبيعة الحال سيتقبله جمهوره ومحبوه لأن الناس تبحث عن المختلف وهذا هو الاختلاف.

أهم روافد الحركة التشكيلية

وفي لقاء «الوطن» الاستاذ في كلية الفنون الجميلة محمد غنوم أوضح أن الفنان موفق السيد يحترم عمله ويتقنه، وهو رجل صاحب خيال خصب وإنسان هادئ ورزين، مؤكداً أن السيد لديه خصوصية مختلفة في تعامله مع السريالية التي تقوم على الخيال الخصب والأفكار التي تتجسد في الواقع بشكل وثيق، فهو ذو اتصال بالحلم والتصورات والأشياء التي قد لا تبدو معقولة إلى حد ما ولكنها بارتباطها بالواقع تحقق الكثير من أحلامنا وتطلعاتنا، إضافة لفكره الخاص الذي يتجسد في لوحاته، كما أضاف أن تجربة السيد مهمة ورافد مميز للحركة التشكيلية الفلسطينية والسورية، فهو موفق في اختياراته وأعماله وصاحب ثقافة معمقة، وبطبيعة الأمر فإن الخيال أساسي للإبداع.

فنان فلسطين السريالي

وأشارت الفنانة نداء الدروبي إلى أن السيد يعبر من خلال لوحاته عن هموم الإنسان والإنسانية ويحكي عن حبه لفلسطين في مواويل من العشق الأزلي ويتعايش كثيراً مع أشكاله وألوانه الجذابة، يعطينا إيحاءات بالفسح اللونية الداكنة والفاتحة الممتدة ضمن تفكير سريالي، وهو من الفنانين الذين لا يحبون ترجمة أعمالهم بطرق أدبية روتينية، فهو يحب أن يعيش المتلقي ضمن عالمه السريالي، وأشكاله تسبح في فراغ لا متناهٍ وخياله الجامح وأسلوبه المتمكن في التصوير جعله فنان فلسطين السريالي.

يستمر المعرض حتى يوم الإثنين ٢٦ من الشهر الجاري من الساعة السادسة حتى الثامنة مساءً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن