في جمعية العلوم الاقتصادية.. اقتصاد الظل النظيف مفتاح الخلاص من الفقر … تيزيني: يساهم بـ60 بالمئة من الناتج المحلي حسب المؤشرات الحكومية
| هناء غانم
«اقتصاد الظل النظيف.. مفتاح خلاص السوريين من الفقر» كان عنوان الندوة التي اقامتها أمس جمعية العلوم الاقتصادية للباحث والصناعي المهندس عصام تيزيني بحضور عدد كبير من المعنيين بالشأن الاقتصادي وأساتذة الجامعات.
من خلال هذا العنوان حاول الباحث تيزيني إيصال رسالة واضحة للمعنيين يوضح من خلالها بأنه لايمكن أن نتجاهل مايسمى اقتصاد الظل النظيف لما له من دور رديف أيضاً أثناء الحرب، وحسب مؤشرات حكومية كان لهذا الاقتصاد نسبة مشاركة بالناتج المحلي لا تقل عن 60 بالمئة فكان مساعداً مهماً وفعالاً في تحسين دخل الفرد حينذاك، طبعاً السبب في ارتفاع تلك النسبة حينها يعود إلى وجود تشريعات غير مرنة تعتمد المنع ثم المنع ولا تعتمد السماح إلا بشروط ولكنها كانت إلى حد ما قابلة للتنفيذ فالحال كان مستقراً والأمور تتحسن وكان مأمولاً حينذاك وفق الخطط الحكومية أن يتراجع هذا النشاط ولكن أتت الحرب وحصل ما حصل.
وخلال المحاضرة حاول تيزيني أن يوضح المعنى الحقيقي لاقتصاد الظل النظيف مبيناً أنه كل نشاط تجاري أو إنتاجي أو خدمي نظيف يحقق دخلاً للمجتمع لكن بعيداً عن دفاتر الحكومة وبعيداً عن شروطها الإدارية والمالية.
وذكر الباحث أن ممارسة هذا العمل غير مكلفة وأصحاب هذا النشاط هم أصدقاء المستهلك لأنهم يقدمون له خدمات وسلعاً ومنتجات إما غير متوفرة أو أرخص من مثيلاتها التي يقدمها من يعمل في الضوء. أصحاب هذا النشاط مدانون وملاحقون قانوناً لأنهم يعملون من دون ترخيص.. خاصة أنهم لا يساهمون في رفد خزينة الدولة بجزء من عائداتهم إذ لا يدفعون رسوم ترخيص أو بلديات أو تأمينات اجتماعية أو ضرائب مالية أو رسوم ضرائب رواتب وأجور أو رسوم سجل تجاري أو انتساب لنقابات وغرف تجارة وصناعة وزراعة وسياحة.
كل هذه الرسوم لا يدفعها أصحاب هذا النشاط فهم يعملون في الأقبية وعلى الأسطح وفي المنازل ومنهم من يعمل في حوانيت بارزة أو في ورشات بالعلن ولكنهم قادرون على التملص من الدفع بطرقهم الخاصة أو هم مهربون نظيفون بسطاء يساعدون أنفسهم ويساعدون الآخرين على تأمين السلع التي لا يستطيع تأمينها صاحب النشاط الرسمي سواء بتوفيرها إن كانت مفقودة من الأسواق أم بسعر أرخص إن كانت متوفرة.
طبعاً لا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن اقتصاد الظل النظيف موجود في كل دول العالم حتى المتقدمة منها ولكن تختلف نسبة نشاطه من دولة لأخرى وهذا طبعاً مرتبط بطبيعة القوانين الخاصة بالعمل والمتاجرة ومدى مرونتها أو تعقيدها، فكلما كانت الشروط مرنة وسهلة تراجعت حدة هذا النشاط والعكس صحيح.
وأشار الباحث إلى دور اقتصاد الظل النظيف في تطور الدول الناشئة مؤكداً أن هذا الاقتصاد هو من ساهم ببناء معظم الاقتصادات الناشئة التي تتربع الآن على عرش النهضة والنمو وخاصة تلك الدول التي عاشت فترات طويلة من الحروب. والأمثلة كثيرة منها رواندا في إفريقيا وميانمار وبنغلادش في آسيا، حتى الدول التي لم تعان تجارب الحروب انما عانت التخلف والفقر مثل نمور آسيا التي صعدت في ثمانينيات القرن الماضي معتمدة على السماح بالعمل والإنتاج بشروط مرنة بعيدة عن التعقيد، منها سنغافورة وماليزيا وتايوان.. ولا ننسى الهند وتطور اقتصادها اللافت للنظر، والصين كمثال حي، بدأت منذ ستينيات القرن الماضي بالعمل من دون تنظيم وشروط. كانت عشرات آلاف الورش تنتج تحت أعين الحكومة ولكن من دون تعقيدات وشروط، حيث كان الفقر شديداً ومعدل دخل الفرد يقترن بتدرج تطورها الاقتصادي والصناعي حيث كان الفقر شديداً ومعدل دخل الفرد ضعيفاً وهي لم تبدأ بالتنظيم والاشتراط إلا منذ 2010.
وعن مراحل تطور اقتصاد الظل النظيف في سورية، قال: إنه مع بدء الألفية الثالثة ظهرت بشائر نهوض وتطور الاقتصاد السوري الرسمي مع التحول والانفتاح نحو آليات جديدة تتماشى مع السوق وتتناغم مع التطورات الاقتصادية في المنطقة والعالم، فكان الاقتصاد السوري الرسمي يسجل نمواً وتصاعداً مريحاً رغم بعض الملاحظات التي أخذت على مساره بأنه كان ينحو منحى خدمياً ريعياً لا إنتاجياً زراعياً أو صناعياً. ولكنه يسير بتقدم وخصوصاً في الأعوام الثلاثة التي سبقت الحرب على سورية.
وعن حاجة الاقتصاد السوري الآن لمثل اقتصاد كهذا بين تيزيني أنه ما من شك أن الاقتصاد السوري ومنذ عام 2019 بدأ يعاني وبشكل صارخ آثار الحرب الطاحنة ورافق ذلك عقوبات غربية قاسية ضيقت كثيراً على مجتمع العمال، فتراجع الإنتاج وتراجعت الحركة التجارية وبدأ التضخم المالي بالظهور وصار اللحاق بمقتضيات العيش هو الشغل الشاغل للمستهلك السوري، ومع ثبات البنية التشريعية الخاصة بالاقتصاد وعدم تطويرها بما يتناسب مع الحال المتردي صارت ظاهرة نمو اقتصاد الظل النظيف متفشية وبارزة للعيان، فهذا الاقتصاد يساهم حسب التقديرات غير الرسمية بأكثر من 85 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي ولكن للأسف أصحابه مدانون وملاحقون قانونياً وهنا تكمن المشكلة!
وبهذا المعنى وبعد أن بلغ حال الفقر لدى السوريين حدوداً مرهقة وبما أن الاقتصاد الرسمي يتهاوى وتعافيه يحتاج إلى تغيير جذري ببنية القوانين والتشريعات وبما أن ذلك يحتاج وقتاً ودراسة ولجاناً فلا بأس والحال هذه أن نحرر ممارسي اقتصاد الظل النظيف ونطلق لهم العنان ليسدوا هذا العجز في النمو وفي القدرة على الاستهلاك، وخصوصاً أن هذا النوع من النشاط الاقتصادي صار واقعاً موجوداً ولكنه ملاحق ومدان وغير مرتاح.
وبالتالي فإن شرعنته مرحلياً ووضعه تحت الضوء هو أمر ضروري على الأقل لأربع سنوات من الآن ريثما ينهض الاقتصاد الرسمي من كبوته وخصوصاً أن هذا النوع من الاقتصادات يقدم خدمة مزدوجة للمجتمع عند الالتزام بشروطه لجهة تأمين فرص عمل وغيرها.
وخلال المحاضرة ركز الباحث على دور اقتصاد الظل النظيف في التخفيف من وطأة الفقر مطالباً بإصدار تشريع يعفي كل من يعمل ويريد أن يعمل بالظل النظيف من الملاحقة والاشتراط والتجريم والاكتفاء بالإعلام والإخبار فقط ومنع التواصل المباشر من كل أجهزة الرقابة المالية والإدارية والبلدية مع من يمارس هذا النشاط. إضافة إلى مساعدة فئة الشباب التي تشكل 60 بالمئة من المجتمع السوري على تنفيذ طموحاتهم بالعمل من دون تقييدهم بشروط إدارية ومالية مرهقة، مؤكداً أن الاقتصاد السوري اليوم بحاجة ملحة لهذه الفئة التي وللأسف صار حلمها الهجرة.
واعتقد الباحث جازماً أن وضع اقتصاد الظل النظيف تحت أعين الحكومة وغض الطرف عن ممارسيه خلال المرحلة الراهنة سيكون حلاً مريحاً ورديفاً ويساهم برفع قدرة السوريين على مصارعة الغلاء وتأمين حد الكفاف، لافتاً إلى أن ذلك بالتأكيد يتطلب تنظيماً وقوننة لاقتصاد الظل النظيف بحيث يصبح العمل مريحاً للجميع بشرط أن يظل هذا النشاط مضبوطاً ومراقباً فقط لجهة الغش والتدليس والاحتيال وخاصة ما يخص الغذاء.
ومن الجدير ذكره أن تيزيني كان قد أشار في بداية محاضرته إلى أن اقتصاد الظل هو الجد الأكبر لاقتصادات العالم، نشأ منذ الأزل عندما لم يكن هناك نظم وقوانين.. عندما كانت الزراعة بدائية والصناعة بسيطة، عندما لم يكن هناك عملات حيث المقايضة هي الطريقة الوحيدة لتسديد الأثمان.
طبعاً هذا الشكل الاقتصادي هو الوحيد الذي كان سائداً إلى أن بدأت المجتمعات بالتحضر والدول بالتشكل والقوانين بالتطور، عندها تعددت أشكال الاقتصاد وأصبح اقتصاد الظل رديفاً للرسمي المنظم، وله عدة أسماء حيث يطلق عليه الآن اسم الاقتصاد الموازي.. الاقتصاد الخفي.. أو اقتصاد الفيء… كلها أسماء لمعنى واحد وهو العمل من دون ضوابط ومن دون نظم بعيداً عن القوانين.