قضايا وآراء

«بروكسل».. أدبيات الممول وخطابه السياسي

| منذر عيد

على ما يبدو لم تستطع الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي الاستعمارية أن تهضم فكرة وواقع عودة سورية إلى محيطها العربي والإقليمي، وملامح بدء التعافي فيها والانطلاق إلى مرحلة الإعمار ولملمة ما خلفته إحدى عشرة سنة من الدمار بفعل الإرهاب الذي أطلق عنانه أعداء سورية في 2011، فبدأت في محاولات إعادة ترميم العديد من القواعد والمنصات المتهالكة التي اتخذتها سابقاً منطلقاً لإسقاط الدولة السورية، فكان نصيبها الموت والخروج من الخدمة مع كل خطوة انتصار يحققها الجيش العربي السوري أو خطوة نجاح ترسمها الدبلوماسية السورية.

عملت الدول الغربية المعادية لسورية ومنذ بدء الأزمة إلى إنشاء العديد من المنصات لتكون جسر عبور لها للدخول إلى سورية والتدخل في شؤونها، فكانت البداية بإنشاء تنظيمات إرهابية منها جبهة النصرة ولاحقاً داعش ليكون الأخير هو الوحش الذي تم اتخاذه ذريعة لدخول قوات الاحتلال الأميركي تحت حجج محاربة الإرهاب.

وكذلك كانت منصة إنشاء المعارضات، لتكون أداة محلية لها لفرض شروطها بأياد تزعم أنها سورية، فكانت ما تسمى «هيئة التفاوض» ثم تلاشت مع الأيام.

ولأن لافتة التدخل الغربي «إنسانية» كان لا بد من اتخاذ منصة تتناسب وتلك الادعاءات فكان ما يسمى «مؤتمر بروكسل للمانحين»، ليكون غطاء رسمياً لتقديم الدعم إلى جميع ما سبق من أدوات إرهابية وسياسية لاستمرار الأزمة، وليضاف إليها لاحقاً مسألة اللاجئين واتخاذهم مطية لعرقلة أي حل سياسي، وتحويلهم إلى ورقة ابتزاز وضغط على الحكومة السورية.

إذا ما تجاوزنا الحديث عن محاولات الغرب بث الحياة في جثث داعش والمعارضات، وذهبنا إلى ما يسمى «مؤتمر بروكسل» الذي سيعقد بنسخته السابعة اليوم وغداً، ومحاولات ذاك الغرب الإرهابي المتوحش إظهاره على أنه منصة لإبقاء سورية على رأس جدول الأعمال الدولية، وضمان استمرار الاهتمام والدعم لسورية على الصعيد الدولي كما قال الناطق الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لويس ميغيل بوينو قبل أيام، فإن الحقيقة تجافي ذلك، والأمر ليس سوى مؤتمر لتسييس المساعدات الإنسانية، وورقة ضغط على الدول التي تؤوي لاجئين سوريين من أجل الرضوخ لمطالب أميركا والدول الأوروبية لإبقائهم على أراضيها، ومنعهم من العودة إلى وطنهم للإبقاء على الصورة «المتوحشة» للحكومة السورية التي يسوق لها الأعداء.

في المنطق يجب عدم الخلط بين السياسة والأمور الإنسانية، إلا أن «مؤتمر بروكسل» بني على قاعدة إنسانية لأهداف سياسية، فعندما يدعي ميغيل بوينو أن «الصراع في سورية بعيد عن الحل، والوضع فيها لا يزال حرجاً»، يكون قد تجاوز القاعدة وذهب باتجاه الأهداف، الأمر الذي يؤكده هو ذاته بالقول إن الاتحاد الأوروبي قدّم منذ عام 2011 أكثر من 30. 1 مليار يورو لتمويل مشاريع في كل المناطق السورية، بغض النظر عمن يسيطر عليها، وفي الحقيقة أن ذاك الرقم مهول وضخم، والكلام بعيد كل البعد عن الحقيقة لجهة تقديم «الأوروبي» أي مساعدات للحكومة السورية بما يساعدها على النهوض مجدداً في بناها التحتية ومسألة التعافي المبكر، وجل ما دخل إلى الحكومة السورية كان بشكل خجول وفي إطار مساعدة متضرري الزلزال الذي ضرب سورية في 6 شباط الماضي.

تسييس مخرجات «مؤتمر المانحين» جلية للعيان، فماذا يعني أن يتم دعم اللاجئين السوريين برواتب بالدولار، تتجاوز في بعض الأحيان راتب وزير في لبنان مثلاً، كما أعلن يوماً ما وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية هكتور حجار، حين رفض طلب مفوضية اللاجئين لإعطاء النازحين السوريين مساعدات مالية بالدولار بدلاً من الليرة اللبنانية، وماذا يعني أن يتم دعمهم في أماكن وجودهم في لبنان وتركيا والأردن، ولا يتم استثمار تلك المساعدات في سورية لإعادة إعمار البنية التحتية للقرى والمدن التي هجر منها أولئك اللاجئين بفعل الإرهاب، أليس عدم دعوة سورية التنسيق معها في ما يسمى «مؤتمر بروكسل للمانحين لدعم متضرري الزلزال» في 20 آذار الماضي دليل على أن جميع الأعمال الإنسانية للغرب مجرد حملة دعائية، تفتقد للمصداقية، الأمر الذي أكدت عليه دمشق حينها بالقول «إن الحد الأدنى من الارتقاء بالأوضاع الإنسانية والمعيشية للمتضررين يستلزم الرفع الفوري وغير المشروط لسياسات العقاب الجماعي المفروضة على الشعب السوري»، وهو ما تقاطع مع الموقف الروسي حيث أكدت موسكو قبيل انعقاد «مؤتمر بروكسل» بنسخته السادسة بالقول: «انعقاد ما يسمى مؤتمر بروكسل من دون مشاركة ممثلين عن سورية وروسيا وبعد فقدانه الرعاية الأممية نهائياً تحول إلى تجمع غربي ليس له أي قيمة مضافة حيث لا يوجد سعي حقيقي إلى حل المشاكل الإنسانية الملحة في سورية بعيداً عن أي تسييس وضمن إطار المبادئ الإرشادية المعترف بها دولياً للدعم الإنساني».

من نافلة القول إن تلك العيون التي تذرف دموع التماسيح في «بروكسل» على الشعب السوري، هي صاحبة الأيادي التي تخنق السوريين في حياتهم وقوتهم اليومي من خلال ما يسمى «قانون قيصر» الأحادي، وهي ذات الأيادي التي تعمل على تقديم «الدعم» للاجئين حيث هم، للإبقاء على الوضع الراهن على الأرض، ولإبقاء إدلب وريف حلب تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية، وشمال شرق سورية تحت هيمنة الاحتلال الأميركي ومرتزقته من الميليشيات الانفصالية، ليكون «المؤتمر» تكريساً لتمزيق الأرض السورية وديمومة الأزمة فيها، ومهما حاولوا من رفع شعارات إنسانية كاذبة، فإن أدبيات الممول لن تخرج أو تناقض خطابه وفعله السياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن