ثقافة وفن

الفساد والإرهاب

| إسماعيل مروة

من أولى مهام الصحفي الإشارة إلى مواضع الفساد، وتحليل الظواهر الإيجابية لتعزيزيها، والسلبية للخلاص منها، وقد لفت انتباهي حديث واحد من كبار المسؤولين، وهو ما يزال على رأس عمله عن الفساد في عملية الإصلاح، وأعجبني تعبيره (الفساد في الداخل لا يقل خطراً عن الإرهاب)، وربما أزعم ويزعم أن هذه العبارة من أكثر العبارات أهميةً التي بدأ حديث السيد الرئيس منها مع بداية الحرب على سورية. فالإرهابي عدو دون أدنى شك، ويعرفه الناس ويجابهونه، أما الفاسد فأحياناً لا يعرفه الآخرون، ويجلس عمره يحاول أن يعلِّم الناس الانتماء إلى الوطن وحبه، وربما بعد انتهائه من موقعه وسلطته وسرقاته يكتشف الجميع وجود مليارات وفساد! وفي كثير من الأحيان لا يعرف الناس الفاسد بالاسم، والحالات الأكثر انتشاراً فهي عدم قدرة الإنسان والمواطن على الإشارة إلى الفاسد إلا همساً، وذلك لأن الفاسد الذي يعنينا هو القادر على الإفساد وهو الذي يسلب الوطن خيراته، ويظلم الناس، ويسرق قُوْتَهم، وهذا الفاسد القادر على فعل مثل هذه الأشياء هو فاسد في موقع مسؤولية، ومادام في موقعه فإن الإنسان لن يغامر بالأذية ليتحدث عنه وعن فساده! وفي مرات كثيرة مرت منذ زمن بعيد، ومنذ الحرب على سورية على أقل تقدير اكتشفنا أن الجزء الأكبر من المعارضة الخارجية الممولة من الخارج كانت في أهم مواقع المسؤولية، من وزارات وأعلى إلى إدارات إلى برلمان ومشيخات وسوى ذلك.. وأكثر هؤلاء شراسة هم الذين كانوا في مواقع مدللة من كبار المسؤولين.. ونحن لم يكن لنا إلا أن نجلس لنراقب ما يكتبون وما يُكتب عنهم، فقد عرف الجمهور أن هذا كان فاسداً بعد أن نقل كل شيء خارج حدود الوطن! وهذا كان فاسداً ويسرق خيرات البلد! وهذا كان فاسداً إذ جلب الخراب للبلد! وهذا الفساد ودون أدنى شك هو سبب ما وصلت إليه سورية خلال سنوات الحرب.. سورية التي كانت لا دَين عليها، والتي يعيش ابنها مهما كان دخله مستوراً، كان أولئك يعيشون حياة الأباطرة، ويعيثون فساداً، أرأيتم مَن كان يوزع عطاياه للناس؟! من أين له هذه الأموال وهو لا يملك شيئاً قبل أن يصبح مسؤولاً؟! استنزفوا الوطن فأسلموه إلى الحرب عليه من كل مكان، ولم يكتفوا بذلك فهذا يبكي، وذاك يشتم، وثالث يفضح، وللأسف الشديد فإن المعنيين لم يفضحوا هؤلاء إلا بعد أن غدروا بالوطن، وبمن منحهم ثقته وغادروا!

اليوم وقد أثبتت السياسة السورية أحقيتها، وظهرت نتائج الثبات والرسوخ على كل مستوى، وخاصة في السياسة الخارجية العليا، آن الأوان للبدء بما يسمى الفساد، وعلى الرغم مما يقوله كثيرون من أن الفساد موجود في كل بلدان العالم.

والفساد مؤسسة متكاملة من الصعب أن تتم مواجهتها مباشرة ودفعة واحدة، ومن أن الفساد ضروري في بعض الأحيان، إلا أن استقرار سورية اليوم يحتاج منا إلى وقفة مراجعة قال بها السيد الرئيس مع بداية الحرب على سورية قبل اثني عشر عاماً، ولكن ظروف الحرب كانت قاهرة، ولا تسمح بالعمل على كل صعيد، وبما أننا لمسنا في بداية الحرب أن الفساد والتجاوزات كانت من الأسباب التي أسهمت بإشعال فتيل الحرب، وبما أن الحرب أثبتت بالدليل القاطع أن الفساد هو الذي تعاون مع المؤامرة والمتآمرين، وأن الفاسدين هم من باعوا أنفسهم لأعداء سورية، وهم معروفون في كل ميدان سياسي وثقافي واقتصادي وإعلامي، بما أن كل ذلك قد صار واضحاً حتى للعابر في الطرقات، وصار واضحاً أن هؤلاء الفاسدين أخطر من الإرهابيين، وهذا على وجه الحقيقة لا التقريب، فقد آن الأوان لتحييد الفساد والفاسدين، أقول تحييد، إذ قد يكون الأمر عند هذا الحد كافياً، كما حصل مع فاسدين من قبل! وفي وقت سابق كان الفاسد إذا عُزِل تحول إلى الجانب الآخر! والأمثلة كثيرة، أما اليوم وقد بدأت الدولة الوطنية السورية العربية خطوات الاستقرار وبناء الثقة، فإن هذا الخيار صار بعيداً، وما من جهة يمكن أن يميل إليها، إضافة إلى أن الفاسد الذي يبيع وطنه لا يوثق به دوماً، لأنه قادر على أن يبيع كل شيء لمن يدفع أكثر، والذي أراه ويراه الناس هو أن هؤلاء الذين باعوا وطنهم، واقتنصوا كل شيء، وتاجروا بالنـــاس وآلامهــم ومآسيهم، بعد أن سلبــوا الوطـــن خيــراتـــه، هؤلاء انتهت صلاحياتهم، وصاروا عبئـــاً على الذيـــن اشتروهم، وسنشهد ضياعهم واحداً بعد آخر، وسيكتشفون أنهم لم يكونوا سوى فاسدين في البلد وخارجه، ولن يتحولوا إلى فرسان، الولاء للوطن ومصلحته، ولنبدأ بما يؤكد أن الفاسد هو الأكثر خطورة من الإرهابي، لأن الإرهابي نهايته حتمية، لكن للفساد ألف لَبوس ولَبوس.. إنها سورية القادمة بكل تفاؤل وعزيمة وقوة، إنها سورية إعمار الإنسان الذي سينهض بالحجر والمؤسسات والقيَم بعيداً عن الفساد الذي لا نتيجة له سوى الفساد والدمار.. والفساد لا يقتصر على السرقة والنهب، بل قمة الفساد والدمار أن يتولى أمراً ما شخص لا علاقة له به، ولا يجيد الحب للناس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن