من دفتر الوطن

مكارثي وطرقاتنا الوعرة!

| فراس عزيز ديب

أعلنت الأوساط الثقافية الأميركية بالأمس عن وفاة الكاتب والروائي الأميركي كورماك مكارثي، الكاتب الذي نستطيع أن نقول عنه إنه أفضل أديبٍ لم ينَل جائزة نوبل للآداب، بل لعلهُ أفضل من كثيرين نالوها لكن هناك ما كان يعوق حتى مجرد ترشحهِ إليها، بينما يتسولها بعض العرب تحديداً أولئكَ الذي يهاجمون الحضارة العربية من جهة ولا يمانعون من التنعم بعطاء بعض الدول العربية من جهةٍ ثانية.

مكارثي عاشَ بعيداً عن الأضواء رغمَ ما قدمهُ من نتاجٍ أدبي جعلهُ علامة فارقة في الأدب العالمي تُرجمت رواياته إلى لغات العالم أجمع، ربما هي المصادفة التي جعلتني يوماً أقرأ روايته «الطريق» قبلَ عدةِ سنوات، من هنا أحسست أن هذا الكاتب يشبهنا كشرقيين بتفصيلين مهمين:

أولاً: لم يعرِف مكارثي الشهرة في سنٍّ مبكرة، ربما لأنه لم يجِد أحداً يؤمن بموهبتهِ حاله كحال الكثيرين في هذا الشرق البائس، كم من المواهب لدينا كشفتها وسائل التواصل الاجتماعي، كم من كاتبٍ كانت تُلقى كتاباته في سلة مهملات الصحف التي يراسلها، كم من مبدعٍ لم ير نتاجه الأدبي والفكري النور لأسباب عدة أهمها على الإطلاق خوف صاحب القرار من بروز شخصيات تسحب البساط من تحت أقدامه؟!

ثانياً: «لا أستطيع يا بني، لا أقوى على حملِ ولدي بينَ ذراعي جثة هامدة»، هكذا كان جواب بطل رواية الطريق عندما كانَ يُحتضر وطلبَ منه ابنه الذي رافقهُ طوال الطريق الوعر ألا يتركهُ وحيداً ويأخذهُ معه، كان البطل وولده مثلنا تماماً يرحلانِ بين الخرابِ والدمار، يعبران الكثير من الصعوبات من بينها هجوم الوحوش البرية والبشرية، هذا الطريق الوعر والحلم دائماً بالخلاص والأمل بنجاةٍ تعيد ترتيب الفوضى هي صورة مصغرة عنما نعيشه، ما نحلم بهِ هو صورة اختصرها الأب بعدم القدرة على رؤيةِ ابنه جثة هامدة ولو كان مرافقاً له إلى العالم الآخر.

لكن بالوقت ذاته هناك من يتحدث في الخفاء عن سرقة مكارثي لأفكار من بعض الروايات، هل كانت «الطريق» هي النسخة البرية لرائعة إرنست هيمنغواي «الشيخ والبحر»، ربما مبدأ الشك أمر صحي فقراءةُ عبارة من قبيل «أنت لا تعلم ما الشيء الذي أنقذكَ منه حظكَ العاثر» تجعلنا نذهب باتجاهِ القول الفصيح في ثقافتنا الذي ليسَ له نسبٌ صحيح:

لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع! يالها من مفارقة مجنونة لو فكرنا مجردَ تفكيرٍ بما هو أسوأ من واقع كهذا؟

لكن السؤال المطروح هنا لماذا ذهب البعض بالتشكيك بإبداعات مكارثي بينما هم ذاتهم يرفضون الحديث عن سرقة دانتي أليغري للكوميديا الإلهية من أبي العلاء المعري؟ هل هو تقزيم لكل ماله علاقة بالشرق أم إن محاربة المبدعين في الغرب تكون بطريقةِ التشكيك بمصدرِ نتاجاتهم وليس كما في هذا الشرق بإعدامها حية؟!

في الخلاصة: ستبقى المكارثية الأدبية التي تركها ذاك العجوز هي من أفضل نتاجات البشرية في الأدب، ستعيش لقرونٍ طويلة حالها كحال أي إبداعٍ لم تغب شمسه تحديداً عندما يكون صاحبه يشبه البشرَ جميعاً من دون النظر إلى دينهم أو عرقهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن