من دفتر الوطن

سنوات الضياع!

| عصام داري

هل فكرنا يوماً بالأشياء الثمينة التي أضعناها، أو ضاعت منا؟ أنا فعلت ذلك وهنا النتيجة:

1- في مقتبل العمر عشقت صبية مسيحية، لكن هذه العلاقة لم تنته بالارتباط، ليس لاختلاف الدين، فهذا أمر لا أعطيه أدنى أهمية، بل لأننا كنا وقتها على مقاعد الدراسة، ونحتاج إلى سنوات من العمل لنكوّن نفسنا، ثم إن «البنت بتكبر قبل الشب حتى تتحلى وتنحب» كما يغني عصام رجي، وهذا ما حصل، فقد تزوجت وسافرت مع زوجها إلى بلاد الاغتراب.

المهم، أهدتني هذه الحسناء سلسلة من الفضة الخاصة، وهي عبارة عن صليب مشغول يدوياً بنقوش جميلة، هذه الهدية جلبها معهما والداها من القدس العربية عندما ذهبا لزيارة الأماكن المقدسة في القدس وبيت لحم، ومن الطبيعي أن تلك الزيارة تمت قبل عام 1967، أي عام النكسة.

المصيبة أنني أضعت السلسلة والصليب في ظروف معقدة، وحزنت عليه حزناً شديداً كما حزنت على الصبية التي صارت في الغربة، وحتى اليوم أعتبر أن تلك الهدية كانت أغلى هدية تلقيتها في حياتي، ليس بسبب سعرها، بل لأنها من شخص أعزه جداً، ولأن لها قيمة معنوية كبيرة لا تقدر بثمن، فهي من القدس زهرة المدائن.

2- في أواسط السبعينيات من القرن العشرين الماضي حضرت معرضاً للمصور الفوتوغرافي الفنان عبد الرزاق السيد في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، وقد افتتح المعرض أهم وزير إعلام عرفته في مسيرة نصف قرن أحمد اسكندر أحمد، خلال المعرض تعرفت إلى المصور عبد الرزاق ونشأت بيننا صداقة استمرت حتى يوم استشهاده في عام 1982 عند العدوان الإسرائيلي ودخول أرئيل شارون إلى بيروت، يومها استشهد بانفجار لغم في ساحة الشهداء في قلب بيروت.

أصبح المصور «الأروادي» المصور المقرب من القصر الجمهوري، وكان أستاذي جبران كورية، مدير المكتب الصحفي، يطلب مني السفر إلى بيروت كي يحضر لتصوير مناسبة ما، وأول مرة حدث ذلك عندما منح الرئيس حافظ الأسد مقابلة لصحيفتي النهار العربي والدولي اللبنانية وتشرين السورية التي مثلها الدكتور غسان الرفاعي، المدير العام رئيس التحرير، وكان هو الصحفي السوري الوحيد الذي أجرى أو أسهم في حوار مع الرئيس الراحل.

عبد الرزاق السيد كان مهووساً بالسبحات، أو المسابح المصنوعة من الخرز والأحجار الكريمة، وكانت لديه مجموعة جميلة منها: جاد ويسر وياقوت وعقيق وعاج معشق بالذهب والفضة والكهرمان.

أهداني عبد الرزاق سبحة من الكهرمان، وللأسف أنني أضعتها خلال إحدى سفراتي إلى مدينة عمان التي أحبها، وقتها كنت مراسلاً لإحدى أهم الصحف الأردنية، فحزنت على السبحة، وعلى صاحب السبحة الذي استشهد وهو في أوج عطائه وتألقه.

3- بعيداً عن الأشياء المادية والمعنوية التي أضعناها أو ضاعت منا عبر السنين، ماذا تتذكرون؟ ألم نضيِّع سنوات من عمرنا في النوم؟ لنتذكر بيت الشعر القائل: لو عاش الفتى ستين عاماً فمنصف العمر تمحقه الليالي.

أقول دائماً: إننا نصرف من بنك أعمارنا المحدود الرصيد، سنوات بين تسكع وهروب وأوقات فراغ نقيها في المقاهي ولعب طاولة الزهر وورق اللعب واليوم في إضاعة الوقت ونحن نمضي الساعات الطويلة على مواقع التواصل الاجتماعي وغير ذلك.

لنفكر في أشياء تفيدنا قبل أن يغلق بنك العمر رصيدنا إلى الأبد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن