«موت وقيامة».. سهيل الذيب يبدع في التقاط تفاصيل اللحظة ورسم أحلام المستقبل
| إسماعيل مروة
(موت وقيامة) عنوان المجموعة القصصية الأخيرة صدوراً، ويتبعها مجموعات وروايات للصديق الروائي القاص سهيل الذيب، وقد لفت هذا العنوان انتباهي قبل قراءة المجموعة، وأزعم أنني وقفت عند العنوان طويلاً قبل أن ألج المجموعة، وأقرأ مقدمتها ثم القصص التي تتابعت بانسجام وعذوبة، فالعنوان مدخل، وبراعة العنوان تحقق الودّ بين القارئ والكاتب، وقد استوقفني العنوان العام في أمرين:
المدلول، فالموت أولاً والقيامة ثانياً، وهذا المدلول لدى جميع العقائد والديانات، فالموت أسبق على القيامة، والقيامة دالة الإعجاز تأتي ثانياً، ومن خلال القيامة يتم استرجاع ما تم عمله أو إنجازه.
الرمز، فقد صدرت المجموعة في خواتيم عام 2015، وفي الفترة التي يتجهز الناس للاحتفاء بميلاد يسوع، ومعلوم ما تلا الصلب والموت المؤقت للجسد من قيامة ليسوع، وهذا التوقيت يتناغم مع دلوف سورية في الحرب عليها عامها الخامس، ولعلي لا أجانب الحقيقة إن قلت: إن الصديق الكاتب استعار الصلب والقيامة، الموت والقيامة ليكون أكثر تفاؤلاً بما ينتظر سورية العزيزة بعد سنوات ستتبعها قيامة، قد لا نشعر بها كما حدث لرفاق يسوع الذين غادروا أول مرة معه، وقد نكون من الشهود المتعاطفين أو المجرمين الذين شهدوا قيامته!
التقديم والكشف: اختار القاص أن يقدم للمجموعة الدكتور ممدوح أبو الوي، وقد كان التقديم منسجماً مع الأساليب في تقديم مفاتيح للقارئ في أثناء مقابلته للنص الذي يقدم له، وإن كنت أتمنى لو أن النص التقديمي لم يتعرض لكشف النصوص التي يقدم لها، ليترك للقارئ مهمة الكشف والاكتشاف، وأزعم أن التقديم عندما يكشف مرموزات القصص يدعو القارئ إلى اعتناق اكتشافه، ويبعد عنه فكرة التحريض والاكتشاف الذاتي، ومع ذلك فقد جاء التقديم بين يدي النص من دون أن يقدم تقريظاً مجانياً للقاص، مع محاولة التقديم الناقد أن يضع لكل مرموز عند القاص شاهداً سبقه! وأزعم أن القاص الذيب، وأي قاص آخر عندما يكتب قصة عن البخل لا يستحضر في ذهنه الجاحظ ولا ابن الرومي ولا موليير، والزعم بوجود نموذج حاضر في ذهن القاص يظلم القاص ويجعله مستهدياً أكثر منه مبدعاً، وهذا الأمر لسهيل الذيب المكرس قصة ورواية فيه شيء من ظلم، وإن كان لا ينكره.
بين العام والخاص
من مقدمة الناقد نستشف أن موضوعات المجموعة القصصية ليست واحدة، فهي ذات موضوعات تصلح لأي مجموعة. وفي أي زمن، وموضوعات حارة، تلك التي تتعلق بالأزمة السورية والحرب التي تجري على أرضها، حيث يقدم القاص قراءته لما يجري، ويسجل الأحداث من خلال قصص إيحائية رموزها كما أشار الناقد في مقدمته مفهومة ومقروءة، ومدلولاته مأخوذة من شواهد يستطيع القارئ تلمسها.
ولعلّ أكثر ما استغربته هو ما كان بمنزلة التوطئة، وكان بالإمكان أن يتم نسجه في قصة فنية متكاملة، لكن القاص شاء أن يكتب ما يشبه التوطئة في أسلوب وعظي مباشر يدّعي فيه أنه يملك الحقيقة والجود، وأنه أعطى بوصية أم، لكن الآخر غدر، فكانت المفخخة وما شابه من أحداث نعيشها كل يوم!! فمن أعطى؟ ومن غدر؟ الأجدى أن يتم صياغة التوطئة في نص يمتلك مقومات النص القصصي عوضاً عن المباشرة التي لا تحتاجها النصوص.
وقد تحدث الناقد عن قصة بعنوان الشيخ والمحراب، بحثت عنها فلم أجدها عنواناً ولا نصاً، ولا أدري إن كان القاص قد استلّها من المجموعة بعد أن كتب التقديم لها:
ومع أن النصوص متعددة الموضوعات، إلا أننا قلما نجد قصة في المجموعة لا تأتي على ذكر الحرب وويلاتها، وعلى ما يعترض الحياة الجميلة التي كان السوريون يعيشونها
في (اللحظة الأخيرة) قال الجندي باسم ذو العشرين عاماً.
في (الجدار) بكت الشام ومزقت أثوابها ألماً.
في (جريمة) كان الوطن في السنوات العشر الأولى من الألفية الثالثة.
في (نفق) كان المتجبرون فيها أكثر حقداً وسفكاً للدماء.
في (البحث عن فكرة) يعرقل خطواتنا الثابتة رهط من جثث عارية وممزقة.
في (الطريق مقطوع) أصوات الرعب تخترق كبرياء السماء
في (كأس وسرير) اكتشف جمال في هذه الحرب على وطنه
في (شهيد) ولا يعرف في أي بقعة من بقاع الوطن يحارب الغزاة
في (أين أنا) فلم السلاح؟
في (لحن الوداع) أن استشهاد ابنه يامن في المعارك على جبهة حلب قصم ظهره.
في (دمشق والليل) القذائف عم تنزل علينا متل زخ المطر
في (غداً ستشرق الشمس) مهري هو العيش في الوطن
إذا ما استثنينا نصين بصعوبة كانت نصوص المجموعة مترابطة حدّ الوجع مع الوطن موته وقيامته على التجوّز، فالأوطان لا تموت ولا تقوم، إنها في قيامة دائمة.
ولعلي لا أظلم صديقي القاص سهيل الذيب إن قلت: إن الفكرة النبيلة أخذته في هذه المجموعة أكثر من المجموعات السابقة التي اطلعت عليها له، وكثيراً ما انساق وراء نبل الفكرة وتمجيدها على حساب البناء الفني للشخصيات والحدث، وخاصة في القصص التي احتوت حواريات وهي لا تحتمل إظهاراً للموقف والانتماء.
«موت وقيامة» مجموعة قصصية تشكل شاهداً فنياً قصصياً عما يجري في سورية وعلى أرضها لقاص عاش الحالة كلها عن قرب، وسواء وافقت الكاتب في رؤيته أم لم تفعل فإن الكاتب يقدم وجهة نظره ورأيه شاهداً لمعايش معاصر لمأساة حرب تدور رحاها على وطن وآماله.
وأظن أن حالة التدوين والتأريخ، والأدب أصدق التاريخ، جعلت الكاتب يدفع نصوصه إلى المطبعة قبل أن يدور عليها الحول ليعمل عليها مجدداً، راغباً في أن يقدم شهادة على زمن من الرعب والعهر.