قضايا وآراء

التحالفات الجديدة في المنطقة وتفتيت النظام العالمي الأميركي

| تحسين حلبي

خلال الأسابيع القليلة الماضية شهدت السياسة والنفوذ الأميركي في منطقة الشرق الأوسط تدهوراً واضحاً في القدرة على المحافظة على درجة تأثيرها أو نفوذها، فهي لم تستطع من جهة أولى زيادة هذا النفوذ منذ سنوات، فما بالك حين تجد نفسها عاجزة عن إيقاف أو منع دول تعد صديقة لها من تعزيز علاقاتها مع موسكو وبكين، كما عجزت في الوقت نفسه عن فرض سياستها الأحادية العدوانية لدفع الدول العربية إلى معاداة دمشق وطهران بعد أن رفضت هذه الدول الخضوع لقرارات واشنطن ضدهما، ولم يعد يتجاوب مع السياسة الأميركية من دول الخليج سوى قطر، في حين شقت معظم دول الخليج الأخرى طريقها المستقل نسبياً عن هذه السياسة الأميركية تجاه طهران ودمشق، وعلى جبهة الغرب الأوروبية نفسها وجهت الجزائر ضربة إستراتيجية لفرنسا بعد الإعلان عن اتفاقات شراكة إستراتيجية بين الجزائر وموسكو في ميادين عسكرية واقتصادية واستثمارية طويلة الأمد فحملت هذه التحولات ضربة غير مسبوقة وجهتها الدول الإقليمية الرئيسة ضد النفوذ الغربي في المنطقة.

فإيران والسعودية والجزائر وسورية ومصر، تعد من أهم الدول الإقليمية الكبرى في القدرات العسكرية والاقتصادية والسياسية في الحاضر والمستقبل، وكان من الطبيعي أن يعجز الكيان الإسرائيلي أيضاً عن عرقلة هذه التطورات التي سوف يدفع ثمنها على غرار الولايات المتحدة، وفي تحليل نشرته صحيفة «جروزليم بوست» الصادرة بالإنكليزية في 14 حزيران الجاري يكشف كلينت فان وينكل تحت عنوان: «السعودية والصين يقوضان النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط» أن «الصين تصاعد دورها لملء الفراغ السياسي الإقليمي الذي خلفته واشنطن نتيجة تراجعها في المنطقة، وهذا ما تؤكده مديرة دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوهايو ميليندا ماكليمانس حين تقول: إن «السعودية تغيرت بشكل كبير ولم تعد كما كانت في السابق وإن عهد الدور الأميركي بدأ ينهار حتى في تأثيره على دول عربية صديقة»، وكشفت الصحيفة أن عدداً من أعضاء مجلس النواب الأميركي انتقد ضعف رد الفعل الأميركي على التوسع في علاقات الصين مع السعودية والإمارات والاستفزاز العسكري الصيني لقوات البحرية الأميركية، وقال عضو مجلس النواب روبين غاليغو: «إن سياسة (الرئيس الأميركي جو) بايدين منذ انسحابه من أفغانستان عام 2021 جعلت دولاً كثيرة في الشرق الأوسط تفقد ثقتها بقدرة الولايات المتحدة على المحافظة على نفوذها فبدأت تخطط لنفسها سياسات لا تسر الإدارة الأميركية ومصالحها»، وحذر من توسع الفراغ الذي يخلفه الضعف الأميركي في المنطقة وتعمل الصين على ملئه بسرعة كبيرة، وكانت مجلة «يروآسيا فيو» الإلكترونية قد ذكرت في 18 حزيران الجاري أن قائد سلاح البحرية الإيراني كشف أن «الرياض وطهران ودول الخليج وبمشاركة الباكستان والهند، وضعوا خطة لتشكيل قوة بحرية مشتركة تضمن أمن الخليج دونما حاجة لأي قوات أجنبية»، وهذا ما جعل الإدارة الأميركية تجد نفسها أمام مشروع لا دور لها فيه، ودفعت القائد البحري الناطق باسم الأسطول الخامس الأميركي تيم هوبكينز إلى «الإعراب عن شكه في نجاح هذه الخطة المشتركة لدول الخليج» وهذا ما يتمناه. ويرى المحللون في الولايات المتحدة أن هذه الخطة ستؤيدها الصين بشكل طبيعي لأنها ستشكل أقسى ضربة للنفوذ الأميركي في الخليج.

وعلى الساحة الإفريقية لا أحد يشك أن دور الصين يتعزز إلى جانب الدور الروسي فيها اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وخاصة أن اتفاقية الشراكة الإستراتيجية التي وقعتها الجزائر وموسكو قبل أيام وطلب انضمام مصر لمنظمة دول «بريكس» التي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا ستوسع دائرة الدول الإفريقية المناهضة للهيمنة الأميركية ونظامها العالمي وستضع الغرب كله أمام استحقاقات تفرض عليه الهزيمة في أوكرانيا وزيادة الضعف الأوروبي إضافة إلى الضربة التي ستوجهها الصين للدور الأميركي وتفتيت هيمنته في آسيا.

بالمقابل، من الطبيعي أن تحاول واشنطن والغرب حشد كل قدراتهما لايقاف عجلة هذه التطورات في العالم، لكن السؤال المطروح في هذه الظروف هو: هل تستطيع الامبريالية التاريخية الغربية بعد قرن ونصف من تسلطها على هذا العالم، المحافظة على مصالحها الاستعمارية؟

يرى عدد من المؤرخين الأميركيين أن العالم الذي انتصر فيه الغرب في الحربين العالميتين ضد بعضه بعضاً، كان يفتقر المتقاتلون فيه لوجود قوى كبرى نووية، في حين نجد في عالمنا هذا قوى نووية كبرى وأخرى نووية صغرى وهذا يعني وجودنا في عالم متعدد الأقطاب النووية المتنوعة ولا مفر له إلا بإيجاد نظام عالمي متوازن في مصالح شعوبه ودوله لكي تتوقف الحروب العالمية وأشكال دمارها الشامل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن