من دفتر الوطن

الأماكن تحزن أيضاً!!

| عبد الفتاح العوض

ما علاقتك بالأمكنة؟

ستجد نفسك وأنت تحاول الإجابة عن هذا السؤال واحداً من هؤلاء، إما شخص يتأثر بالمكان ولديه علاقة حب مع أماكن معينة، وعلاقة كره مع أماكن أخرى. أماكن إن دخلت في أجوائها شعرت بالسكينة والراحة، وأماكن أخرى إن اقتربت من جوارها شعرت بالانزعاج والسلبية.

ثمة نوع آخر… الأماكن لا قيمة لها… لا يوجد كيمياء مع الجدران ولا مع الأشجار، العلاقة باردة جداً مع أي مكان.

وثمة نوع أخير لا يستطيع أن يغير مكانه.. المكان بالنسبة له مقدس جداً، إن خرج منه يشعر بالحزن الشديد، ومن هؤلاء من يتعلق بمكان محدد، وحتى من هذا المكان بجزء محدد- وعلى سبيل المثال- يعتاد على مطعم أو قهوة محددة ثم يختار منها طاولة معينة لا يرتاح إلا بالجلوس حولها.

أنت واحد من هؤلاء الثلاثة.

العقل العربي يضع للمكان قيمة خاصة.. وإن بدا ذلك غريباً على القبائل التي ترتحل من مكان إلى مكان، فمن المنطقي ألا يكون للمكان قيمة إلا بحدود الوظيفة التي جعلت القبيلة تختاره الآن ثم بعد ذلك ترتحل إلى مكان آخر.

لكن العرب جعلوا «الوقوف على الأطلال» جزءاً أصيلاً في معجزة اللغة التي يمتلكونها، وقمة معجزتهم اللغوية تتمثل بالشعر ولا شيء سواه. وكما هو معروف فإن بدايات أي قصيدة هي الوقوف على الأطلال التي تجعل للمكان قيمة خاصة.

ثم للأماكن قدسية خاصة فلدى كل شعوب الأرض أماكن مقدسة على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم.

لكن أكثر ارتباط بين الإنسان والمكان يتعلق بـالوطن، فكل شخص لسبب ما يعتبر الوطن أجمل بقاع الأرض، وفي هذا كلام كثير.

الذي أرجو أن نلاحظه.. أن العلاقة بين الإنسان والمكان مرتبطة بالأحداث، ومن ثم هي حكماً مرتبطة بالذكريات.

من مكان لقاء عاشقين أصبح يشكل لهما رمزاً دافئاً.. إلى مكان جرت فيه معارك فاصلة أصبحت لدى المهزوم علاقة شؤم، لدى المنتصر ساحة شرف وصولاً إلى الأماكن التي لا يجوز فيها للإنسان إلا أن يرتقي روحياً ويصبح الوجود فيها عبادة.

كل هذا يشكل جوهر علاقة الإنسان بالمكان ليس بوصفه جدراناً وحجارة وتراباً بل بوصفه حديث نفس وذكريات حياة ومشاعر ملتهبة.

للأمكنة لغتها الخاصة، ولها أيضاً مشاعر وأحاسيس تنقلها إليك.

بعض الأمكنة كئيبة.. بعضها يصدح بالفرح.. وبعضها بارد، وآخر حزين المشاعر.. تنقل إليك هذه المشاعر فتصبح فرحاً أو كئيباً وقد تكون بلا مشاعر فلا تؤثر فيك لا سلباً ولا إيجاباً وتنظر إليها بعيون محايدة.

للأماكن أرواح تحيا مع ساكنيها، تذبل مع الهجران وتشرق مع الفرح وتشتاق لمحبيها.

لكن دوما قيمة المكان بالبشر وليس بالحجر.. ومن أجمل ما قيل بذلك ما قاله مجنون ليلى:

أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدرا
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا

أقوال:

– لا يساعدك الوجود في المكان الخطأ أبدًا على فعل الشيء الصحيح.

– في كثير من الأحيان أخذني القطار الخطأ إلى المكان الصحيح.

– السرير هو المكان الأكثر خطورة في العالم: 99 بالمئة من الناس يموتون هناك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن