دار الوثائق الورقية في حلب هل تعيد مكانة الكتاب؟ … انفضّ الناس عنه وزهدوا به فماذا عن مستقبله؟
| إسماعيل مروة
على قناة تواصل اجتماعي تم ضمي لمجموعة تحمل اسم: «دار الوثائق الورقية- حلب» وهي تحمل اسم الأستاذ المحامي والكاتب علاء السيد، وأتابع بشكل يومي ما يتم إرساله عبر القناة عن أنشطة الدار وزوارها ومقتنياتها، وفي كل يوم أسأل عن الجدوى من هذا المشروع، وأقول: هل يمكن لهذا المشروع أن يستمر طويلاً؟ وماذا عن الشريحة المستهدفة؟ وخاصة أن الموقع يشير إلى البيع واستئجار الكتب ليعيدنا أربعين عاماً في الذاكرة عندما كانت الاستعارة وسيلة تثقيف.
تعدد الخيارات
في عدد غير قليل من المنشورات هناك إعلانات عن أسطوانات وتسجيلات نادرة، وهذا جانب سماعي، وهناك جانب الدوريات التي عشنا معها، سواء كانت مغامرات أم أطفالاً، أو كانت دوريات فنية شهدت عصوراً ذهبية في الغناء والتمثيل والفن عموماً، وربما عرضت الدار كتباً في طبعاتها الأولى النادرة، والكتب المتنوعة ما بين التراثي والديني وما يدور في فلكها، إضافة إلى موسوعات علمية أسهمت في تكوين أجيال من الطلبة والقراء والباحثين.
وقد عرضت الدار مجموعات المدن مثل الكتب الخاصة بمدينة حلب ومجموعة خير الدين الأسدي ومجموعات دمشقية ومؤلفات الدكتور الراحل قتيبة الشهابي، وكلها كتب ذات قيمة، وأكثرها في عداد الكتب النادرة، وفوق ذلك تهتم الدار بالكتب المعاصرة والروايات لكتاب كثيرين متعددي الانتماءات والميول.
الكتبي بمفهومه الواسع
نحن أمام تجربة تختلف اختلافاً جذرياً عن مفهوم المكتبات اليوم، فهي لا تعتمد مبدأ الواجهة الأنيقة والعرض المغري، وإنما تعتمد أسلوب الكتبي أيام زمان فالمكتبة بالمفهوم العصري اليوم هي مكان تجاري لبيع وتبادل المنتوج الكتابي، أما أيام زمان فمفهوم المكتبة «الكتبي» وقد عاصرت جزءاً منه في «المكتبة العربية» للراحل الأديب والمحقق وشيخ المخطوطات والوراقين أحمد عبيد، مفهوم آخر، فأنت تناقش وتستعير، وقد حظيت بقرب الراحل أحمد عبيد واستمرت علاقتي به حتى رحيله إلى مقبرة الباب الصغير، ولم تكن هذه العلاقة لتستمر بمفهوم المكتبة، وإنما بالمعنى الأشمل لدور المكتبة، وهذا ما تحاول دار الوثائق الورقية بحلب أن تقوم به، وربما كان مرد ذلك إلى أن القائم على المشروع باحث وكاتب ومعني بالكتاب، وهذا ما جعله يقدم على مغامرة غير مأمونة النتائج، لكنها ستسجل له ولمدينة حلب العظيمة.
الدار والمهمة والتقانة
يلفت الانتباه الطرق التي تعرض الدار فيها محتوياتها، وميلها إلى الحكم أحياناً على الكتب، وربما قرأنا كلاماً بحق كتب وكتاب، وخاصة من خلال الحوارات والوجدانيات التي تدوّن بصورة غير دورية على الصفحات، كالحديث عن الروايات الجديدة، وموازنتها بالروايات القديمة، وهذا أمر مشروع، ولكن لكل جيل اهتماماته وأدبه وأسلوب مخاطبة، ويمكن أن نقرّب الشباب كما تفعل الدار بالإعارة المجانية أو الإهداء، ويتجلى ذلك في عدد من الوجدانيات التي نشرت وكانت ناقدة في مكانها تقترب من الجانب المعيشي لحياة الناس، في وقت لم يعد للكتاب غاية بحد ذاته.. وأزعم أن وسائل التواصل قد تؤدي أدواراً مهمة في تثبيت دعائم الدار وتجربتها والتجارب المماثلة، وربما تعمل على تعميم هذه التجربة على مساحة سورية.
أخيراً
تجربة معرفية لائقة بحلب، ومنتدى ثقافي يجمع الكتّاب والمثقفين والمهتمين، ليتحول إلى منبر يوزع المعرفة الحية ويعيد الحياة إلى الكتاب الورقي، لعلّ مفهوم الكتبي يكون مساعداً في الحفاظ على الهوية الثقافية والمعرفية، شكراً لحلب ودار الوثائق وصاحب المشروع فهي مهمة شاقة في حاضنة عريقة.