اقتصاد

«البؤساء» أطفال يجنون البندق لمصلحة «شوكولا نوتيلا»..!

| د.سعد بساطة

تساؤل..؟ أيـن يوجد 75 بالمئة من البندق في العـالم؛ والجواب: تركيا.. سؤال آخر: أين يذهب 75 بالمئة من هذا المحصول؟ ونجيب: شركة نوتيلا الإيطالية.

وسامحوني: فلست من هواة ذكر العـلامات التجارية؛ لا للتشهير أو للدعـاية! ولكن الموضوع عـالمي؛ فهذه الشركة تعـاني مؤخرا من مشكلتين:

(1) كونها تستخدم 30 بالمئة من مكوّنات منتجها زيت النخيل؛ فقد أثارت وزارة البيئة الفرنسية الاهتمام بهجومها عـلى الشركة الإيطالية من خلال تصريحات بأن زيت النخيل هو السبب في «إزالة الغابات على نطاق واسع في أمريكا الجنوبية».

(2) وهو بيت القصيد: حصاد البندق في تركيا يحتاج إلى رشاقة؛ وهذا ما دفع المزارعـين لتوظيف الألوف من الأطفال تحت 15 سنة للقيام بتلك المهمة الصعـبة والخطرة؛ لقاء حفنة من الليرات! وهذا ما أثار عـاصفة من التظاهرات في الغـرب تجاه «إساءة التعـامل مع الطفولة»؛ ودعـوة لمقاطعـة المنتج!

12 حزيران هو يوم الطفل العـالمي؛ والطفولة هي الحلقة الأكثر ضعفاً وهشاشةً، فمن المفروض أن يفكر آباء العالم وقادته في منظومة مساءلة قوية وصارمة تقطع الطريق أمام ثغرات الإفلات من العقاب. وباعتبار أن الأمم المتحدة نفسها اعترفت بأن عدد الأطفال الأبرياء الضحايا في تزايد فإن الهدف من خطة التنمية المستدامة لعام 2030 الذي يحدد سقفاً زمنياً لإنهاء جميع أشكال العنف ضد الأطفال وإنهاء الإساءة لهم وإهمالهم واستغلالهم يصبح هدفاً وهمياً لا صلة له بالواقع.

20 مليون طفل عربي في سوق العمل… تركوا المدرسة مبكراً جداً؛ ويسمونها «الطفولة المغتصبة» أو «الأيادي والأجساد الناعمة» المُستغلة في اقتصاد غير منظم، تغيب عنه رقابة الحكومات والهيئات وحتى المنظمات لضعف القوانين والتشريعات أحياناً، ولدواعٍ اجتماعية واقتصادية وسياسية وظروف محلية أحيانا أخرى، رغم إصرار الأمم المتحدة على القضاء على هذه الظاهرة!

ثلاث دول ذات كثافة سكانية مرتفعة تكاد تحتكر ظاهرة تشغيل الأطفال في العالم: الهند وباكستان ونيجيريا.

وفي دول أخرى من العالم، يتم استخدام الأطفال في أنشطة إجرامية، مثل التهريب والاتجار في الأسلحة والمخدرات أو حتى الإرهاب، خصوصا في منطقة الساحل والصحراء الكبرى في إفريقيا، حيث يتم تجنيد أطفال صغار وتدريبهم على القتال والدفع بهم إلى نزاعات مسلحة تهدف إلى الانفصال عن الدولة الأم. وهناك أطفال يتم بيعهم إلى عصابات وجماعات في سوق النخاسة مثل الرقيق، أو استغلالهم جنسيا. وتواجه الدول الأوروبية حاليا ظاهرة هجرة الأطفال من دون مرافق الذين لا يملكون وثائق ثبوتية، وبعضهم ينخرط مبكرا في أعمال تخريبية.

ووفقاً للتقارير الأممية، فإن الظاهرة العربية مردها إلى: التطورات الأمنية في المنطقة التي دفعت بملايين اللاجئين إلى ما وراء الحدود في دول الجوار، مما حرمهم من شبكات الأمان الاجتماعية. والفقر والعوز المنتشر في أوساط الأسر المهاجرة أو النازحة التي تدفع بأطفالها إلى العمل.

وبحسب منظمة اليونيسيف فإن أكثر من 70 في المئة من أطفال السودان لا يذهبون إلى المدرسة… وكشفت تقارير في المغرب أن 2 بالمئة من سبعة ملايين طفل تتراوح أعمارهم بين 7 إلى 14 سنة يعملون في نشاطات اقتصادية مختلفة، سعياً لتحسين مستوى معيشة أسرهم. وهي ظاهرة لها علاقة أساساً بالتغيرات المناخية، حيث ينحدر معظم هؤلاء الأطفال من المناطق التي تعاني نقصاً في مصادر مياه الري الزراعي. وكثيراً ما يتم استقدام صغار الفتيات للعمل كخادمات في بيوت سكان المدن، وهي ظاهرة مغربية قديمة جداً، تعكس الفوارق الاجتماعية والثقافية. وتفيد الإحصاءات بأن غـالبيتهم من الذكور يعملون في الزراعة ويقطنون في الوسط القروي. جدير بالذكر أن 2.2 بالمئة لم يسبق لـهم أن تلقوا أي تعليم من قبل.

بعض الشركات المحلية تستخدم الأطفال في تصنيع مواد استهلاكية وملابس تُباع في الأسواق الأوروبية، ولا يبالي المستهلكون في الدول الغنية بالظروف التي تقف وراء تلك الصناعات وأين أنتجت وكيف؟ إنها الأسئلة التي يتم تجاهلها تقريبا في دول تدعي «الدفاع عن حقوق الإنسان»!

لا يُعرف بدقة حجم مساهمة عمالة أطفال العالم في الاقتصاد العالمي، وهي بالتأكيد تقدر بعشرات مليارات الدولارات. لكن تلك الطفولة، على الرغم من تشتتها الجغرافي، يجمعها الفقر والاستغلال وضعف التحصيل وظروف الدولة والمجتمع، وتراخي الشركات والعلامات التجارية مع مستغلي الأيادي الناعمة، تلك التي تشغل الأطفال وراء الجدران أو داخل أقبية قذرة تحاكي قصة «كوزيت» في رواية «البؤساء» لفيكتور هوغو.

بعـد قراءتكم هذا المقال الموجع: كم من طفل سيكون خلف الركب يا ترى في صورة تواصل استهداف النزاعات للأطفال من دون أن يرف لنا جفن؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن