قضايا وآراء

من «أستانا» إلى إدلب.. خرائط سياسية وميدانية

| منذر عيد

تؤكد جميع تصريحات أطراف اللجنة «الرباعية» التي تضم سورية وروسيا وإيران وتركيا، قبيل انطلاق اجتماع اللجنة وبحث تقارب أنقرة مع دمشق على هامش اجتماعات الجولة الـ20 لـ«مسار أستانا» الذي يختتم أعماله اليوم الثلاثاء، أن ثمة تموضعاً جديداً اتخذه الجميع لإحراز تقدم ولو مبدئياً، والسير بخطوة أولية على طريق بدء إعادة العلاقات السورية التركية.

حضر الجانب الروسي وبيده «خريطة طريق» يعتقد جازماً أنها قد تشكل دليلاً لدمشق وأنقرة على تلمس الطريق الصحيح الخالي من أي مفخخات أو عوائق لأن يلتقيا مرة ثانية، أقله في منتصف الطريق كمرحلة أولى، وقد رسم فيها الخطوط العريضة، تاركاً لنواب وزراء خارجية البلدين وبمساعدة نظرائهم في روسيا وإيران، على تحديد ملامح الشكل النهائي لها، ورسم الخطوط التفصيلية، وإن لم تتم معرفة ماهية ما تتضمنه مسودة الخريطة الروسية، إلا أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أوضح في اجتماع وزراء خارجية «الرباعية» الذي جرى في موسكو في أيار الماضي أنه يجب أن تتيح خريطة الطريق هذه تحديد مواقف سورية وتركيا بوضوح بشأن القضايا ذات الأولوية بالنسبة لهما، ما يعني حل مشكلة استعادة سيطرة الحكومة السورية على جميع أراضي البلاد، وضمان الأمن الموثوق به للحدود المشتركة بطول 950 كيلومتراً مع تركيا، ومنع وقوع هجمات عبر الحدود وتسلل إرهابيين، وهو الأمر ذاته الذي أكده نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أول من أمس بالقول: «هذه العملية المهمة يجب أن تستند إلى مبادئ متفق عليها، وهي الاحترام المتبادل لسلامة الأراضي السورية ووحدتها وسيادتها».

سورية وقبيل انعقاد اجتماع «الرباعية» جددت تأكيد جملة من أوليات، هي في الأساس مبادئ، وهي العمل بشكل جدي على تفاصيل العناوين التي تؤكد عليها الأطراف في ختام جميع اجتماعاتها مثل التشديد على وحدة سورية وسيادة أراضيها، ومكافحة الإرهاب، وترى ضرورة الانتقال من العناوين العامة إلى الالتزام عملياً على أرض الواقع بتلك العناوين، مثل وضع خطة أو جدول زمني لإنهاء الاحتلال التركي وإعلان أنقرة بوضوح عن استعدادها للانسحاب من الأراضي السورية، وضرورة تسمية التنظيمات الإرهابية التي يجب محاربتها بالاسم، حيث يغفل الجانب التركي ضرورة القضاء على التنظيمات الإرهابية التي يتخذها مطية لتحقيق أجندته في سورية، أو يتعامل معها بشكل مباشر أو غير مباشر، في ضبط المناطق التي يحتلها الجيش التركي في إدلب وريف حلب الشمالي، وخاصة تنظيم «جبهة النصرة» وغيره من ميليشيات إرهابية.

وإذا كان كل من الجانبين الروسي والإيراني، يعملان على إنهاء ملف العداء بين تركيا وسورية، فإن الأخيرة تؤكد دائماً انفتاحها على أي حوار بما يعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 2011، وهذا الموضوع يلقى أولوية لدى الجانب التركي، وخاصة بعد حالة الطمأنينة التي باتت تكتنف رئيس الإدارة التركية رجب طيب أردوغان، عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية، وهو ما أكدته أوساط مقربة من وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن الملف السوري بالنسبة له ولطاقمه على صفيح ساخن ويحظى بالأولوية من حيث سلسلة احتياجات سريعة للدولة التركية تم إقرارها باجتماع أمني وسياسي ودبلوماسي خاص عُقد مؤخراً وترأسه شخصياً رجب طيب أردوغان.

ولأنه غالباً ما تعمل قعقعة السلاح في الأزمات والحروب، في رسم الكثير من بنود اجتماعات الساسة المتحاورين، في الأروقة الدبلوماسية، شهدت مناطق التماس في شمال شرق وشمال غرب سورية جملة من الأحداث والتحركات العسكرية، يمكن إدراجها في إطار تقوية الملف السياسي والتفاوضي لكل طرف هناك في «أستانا»، سواء من جهة تصعيد الاحتلال التركي من اعتداءاته على شمال شرق سورية، وشنه حرب مسيرات ضد متزعمي ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد»، أو من جهة قيام الجيش العربي السوري بتعزيز قواته في ريف حلب الشمالي مع تواصل التصعيد الإرهابي على خطوط «خفض التصعيد» والذي يقوده تنظيم جبهة النصرة الإرهابي والفصائل المنضوية في كنفه، في رسالة واضحة بضرورة القضاء على الإرهاب في «خفض التصعيد» حيث يعتبر الجانب التركي هو الضامن للتنظيمات الإرهابية فيها.

قد يشكل اجتماع «الرباعية» الحالي نقطة فارقة في طريق العلاقات السورية – التركية، وخاصة مع التقاء الطرفين على بعض الأمور، مثل مكافحة الإرهاب، وضرورة خروج قوات الاحتلال الأميركي من المنطقة، وإذا ما فعلت «خريطة الطريق» الروسية فعلتها، فإن ثمة متغيرات دراماتيكية سوف نشهدها سواء على طريق M4 أو من جهة رسم خريطة عسكرية جديدة ربما في ريف حلب الشمالي أو في إدلب، التي ربما بدأت بعض ملامحها بالظهور مبكراً من خلال قيام الجيش العربي السوري باستهداف معاقل «النصرة» الإرهابي في ريف حلب الغربي وفي جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي بالتزامن مع قيام سلاح الجو الروسي بتوجيه ضربات موجعة في محيط مدينة إدلب أطاحت برؤوس متزعمين من التنظيم، في رسالة واضحة من موسكو بدعم مواقف دمشق وتأكيد ضرورة القضاء على التنظيم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن