من دفتر الوطن

الدلعونا.. واللجوء!

| فراس عزيز ديب

من اليومِ العالمي لمكافحةِ التدخين أو يومِ المناخ الذي قد نضطر معهُ للتوقف عن استخدامِ السيارات حفاظاً على البيئة، مروراً باليومِ العالمي للمرأة الذي يذكِّرنا حسب «النسويَّات» اللواتي يناضلنَ لأهدافٍ مجهولة بأننا مجتمعات ذكورية وقد تصل الاتهامات لحدِّ التخلف إن لم نقم بكتابةِ منشورٍ على الأقل يمتدح هذه المناسبة ويمجدها، يصل بنا قطار اليوميات إلى «يوم اللاجئ العالمي» الذي يُصادف حسبَ الأمم المتحدة في العشرين من حزيران من كل عام، هنا فعلياً لا ندري ماذا علينا أن نفعل لإحياءِ هذا اليوم؟

هل يقصدون مثلاً بأن نتذكر اللاجئين؟ هذا ضربٌ من الجنون لأن يومياتنا في هذا الشرقِ على صلةٍ يومية بقواربِ الموت التي تلتهم الباحثين عن الأمل أو بطرقاتِ البر الوعرة التي تلتهم وحوشها أبرياءَ يبحثون عن المستقبل، العلاقة بين هذا الشرق واللجوء كأنها لا تحمل نهايات قريبة لدرجةٍ تبدو معها فكرةُ تخصيصِ يومٍ للاجئ متاجرة لا تقل عن باقي المتاجرات التي تمزج السياسة بالعواطف الإنسانية، بدلاً من تخصيصِ يومٍ للاجئ لماذا لا تقوم الأمم المتحدة بتخصيصِ يومٍ لمنع التدخل بشؤون الدول المستقلة مثلاً، قد لا نبالغ بأن الأمم المتحدة لو قررت تخصيصَ يوم للتحدث عن الجرائم التي ترتكبها الدول العظمى بحق الدول التي يأتي منها اللاجئون لما كفاها عدد أيام السنة الميلادية!

لكن في المقابل دعونا نعترف بأن تحميلَ مشاكلنا بالمطلق على فكرةِ تآمر الآخرين إلى هذا الحد هو نوع من التلاعبِ بالحقيقة، إن مشكلة اللاجئين في عالمنا العربي لم تكن وليدة ربيع الدم، وإن اختلفت الأعداد قبله وبعده، لكن هذا يرجع حسب الكثير من الدراسات إلى فتح الحدود والاستفادة من التعاطف العالمي لا أكثر، ففكرة الاغتراب عبرَ أكثر من قرنٍ من الزمن بالأساس يبدو ظاهرها منمَّقاً لكنها في أكثر من نصف الحالات كانت لجوءاً تحولت بعدها إلى اغتراب، ربما اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي أبدعت تصنيفَ اتجاهاً كاملاً في الأدب بمسمى «أدبِ المهجر»، لماذا هاجرَ هؤلاء أو تغرَّبَ هذا أو لجأ؟ ضعوا ما تشاؤون من توصيفات لكن المفهوم واحد هناك من ذهبَ باحثاً عن أمل؟!

مشكلة اللاجئين في هذا الشرق عمرها ليسَ فقط من عمر التحرر من نير الاستعمار، يبدو عمرها من عمر الهوارة والميجانا، تُرى كم عمر الأغنية الشعبية الأولى التي دقَّت ناقوس خطر الاغتراب حيث تقول:

يا ظريف الطول وقِّف تاقلك.. رايح عالغربة وبلادك أحسنلك؟!

هذا النوع من اللجوء هو أقساها، عندما شكَّلَ الاغتراب لدى البعض ملاذاً للهروب من إخفاق السياسات التي تستوعب الإبداع لا تقصيه، السياسات التي تجعل المنزل حلماً، السيارة حلم، حتى الحق بالتفكير حلم، ترى هل سيكون هناك يوماً ما احتفال بيوم المغترب العالمي؟ لما لا تحديداً أن هذا المغترب أثبت في الأحداث المفصلية التي تضرب بلده أنه عون لها وليس سكيناً في خاصرتها؟

في الخلاصة: لاجئاً كنت أم مغترباً وبعيداً عن أي توجهٍ سياسي يسيرك أو جهة ما تستثمر بأزمتك، ستبقى مرتبطاً بالوطن الأم مهما حاولتَ الخروج منه، كاذبٌ هو من يُكابر ويحبس دموعه عندما يسمع الأغنية الشعبية بكلماتٍ بسيطة:

على دلعونا على دلعونا… بَي بيّ الغربة الوطن حنونا..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن