ثقافة وفن

أيمن الدقر.. وداعاً

| إسماعيل مروة

أيمن الدقر.. أبو قصي.. أربعون عاماً على صداقتنا مرت، أربعون عاماً على لقاء مع الفن والأدب، تنقلنا فيها معاً بين الرواق والشربيشات والقصاع ودبي ودمشق.. ما أقصر الحياة يا صديقي.. من معرضك الذي حضرت عن الزخرفة، إلى معرضك الأكثر أهمية عن الأسطورة، ولوحات العنقاء، وفي بيتك كنت تطلعني على قراءاتك الفكرية في الأساطير والكتب المقدسة.. لقد كنت مثقفاً حقيقياً مع أنك لم تقم بنشر ما صنعته.

في الرواق عرّفتني بالكاتب وليد مدفعي، وكم قطعنا الطريق مشياً إلى بيته، ومع حسين حمزة الشاعر والرسام أمضينا زمناً جميلاً، وكان الأبهى في بيتك مع قهوتك وقصي رجل اليوم وأم قصي كانت أجمل الصباحات والأمسيات.. ومضت بنا الأيام، وتطوعت وأنت الفنان برسم غلاف مجموعتي (وكان حلماً) وخصصتني بموتيفات داخلية، وأهديتني أصولها..

وقبل المسير يومها قلت: هذه لوحاتك وأفكارك، وهذه لوحتي (العنقاء) لك يا صديقي.. ولوحة (الفراغ) وكلتاهما مقابل عيني كل لحظة.. وحين عملتَ في الصحافة في دبي لسنوات قليلة كنت الأخ والصديق.. وبعد عودتنا كان مشروعك (أبيض وأسود) ومعاً بدأنا، وبالحب افترقنا حين اختلفت آراؤنا في العمل، وبقينا الأصدقاء في كل جلسة ولقاء..

وفي كل مكان كنا نلتقي، ومع كل الأصدقاء كنت الوفي، ولقاءاتنا قبل عام كنت تحدثني عن الموسيقار أمين الخياط، وهو إلى جوارك، وتتعامل معه تعامل الابن.. وبقيت ضحكتك صادحة في كل لحظة.. وفي آخر جلساتنا كنت هازئاً من كل شيء، لا تتعلق بأي شيء، ويومها قلت لي: أشرطة تخصك عن حواراتك في مصر عندي، متى شئت أحضرها لك، لقد مات الجميع وبقيت أصواتهم..

دهمك المرض أبا قصي.. لم نلتق، وبالأمس نظرت في لوحة الفراغ وخاطبتك، وأنا أعلم معاناتك مع المرض، ولكنك لم تجب، وكأنك كنت في عالم آخر..

أيمن الدقر.. سيأتي الكلام الفصل، ويشتاق الأصدقاء لفنان مبدع في ريشته وعمله، وفنان مثقف يعرف كيف يتعامل مع غناه المعرفي، ويشتاق الأصدقاء لصاحب جلسة رائعة، وضحك وعزف ونكتة.. اليوم ترحل أيها الصديق الجميل، ومعك لوحاتك التي لم تنجز، وأدواتك وأصابعك التي أجادت العزف والرسم والحب، فكانت مثالاً حقيقياً لحياة ضجت بالحركة والحيوية.. فلم تعرف انعطافات حادة عن آرائك، وبقيت حتى النهاية ذلك المتصالح مع ذاته وآرائه، وذلك الصديق الحقيقي للبهجة والحياة واللون والفكر..

تمشي وراءك أمنياتك

تشارك رؤاك الأسطورية في الوداع

تحملك أفروديت وعشتاروت

وتبقى الحياة عندك العنقاء والخلّ الوفي، فهل تجده في رحلتك؟

بأمان الله وروحك في رقدة الأبد أبا قصي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن