يعترف الخبير العسكري في صحيفة «جروزليم بوست» الإسرائيلية الصادرة بالإنكليزية هيرب كاينون في 19 حزيران الجاري بأن «مراجعة بسيطة لما يتعرض له الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية تضعنا أمام مشهد نرى فيه أنه يواجه دوماً تقريباً عندما يريد اعتقال المسلحين مقاومة يستخدمون فيها بنادق أوتوماتيكية وزجاجات حارقة ومواد ثقيلة تقذف عليه من سطوح المنازل وكميات من الحجارة، لكنه في الإثنين الماضي تعرض لألغام مفخخة جانبية تنفجر في عرباته المصفحة في جنين، ويجد نفسه أمام حشد من الأهالي يحاصرونه في الزقاق وهذا ما يجعل معركته في مثل هذه الغارات ليست سهلة».
ولا شك أن هذا الوصف من خبير عسكري إسرائيلي يدل على أن جيش الاحتلال ليس بمقدوره تحقيق أهدافه في السيطرة على ملايين من الفلسطينيين في الضفة الغربية ومحاصرتهم لاعتقال البعض منهم في مدن وأزقة، وحين أجبر على استخدام مروحية أباتشي المتطورة أصابها الفدائيون الفلسطينيون بطلقاتهم النارية لإبعادها عن ساحة المعركة ونجحوا في إصابتها وعرقلة حمايتها للجنود الذين أصيبت عربتهم المحصنة وخافوا من أسرهم على يد الفدائيين أثناء المجابهة النارية، وفي نهاية المعركة مني جيش الاحتلال بهزيمة معنوية وميدانية بعد أن استخدم وحدات نخبة من قوات غولاني المدرعة وغيفعاتي البرية ووحدة المستعربين الاستخباراتية ومن وحدة سلاح المروحيات، وذلك خلال مجابهة دامت 12 ساعة بدأها فجراً الساعة الرابعة وانسحب منها عند الساعة الرابعة بعد الظهر، وهذا ما جعل قائد قوات الضفة الغربية سابقاً الجنرال المتقاعد غادي شامني يعترف بأن نهاية هذه العملية ستجعل الفلسطينيين يشعرون بنصر معنوي وميداني بعد الشعور بأنهم واجهوا قوات كثيرة وعلى الرغم من إصابة الكثيرين منهم».
ومن الطبيعي أن يفرض الثمن الذي دفعه جيش الاحتلال من القتلى والجرحى في صفوفه خلال يومين وخاصة بعد إطلاق النار مباشرة على عدد من المستوطنين المسلحين في مستوطنة «عيلي» أول من أمس وضعاً جديداً على الكيان، لأن هذه العملية الفدائية الأخيرة أثبتت أن المجموعات الفدائية الموجودة في مدن الضفة الغربية قادرة على القيام بعمليات مفاجئة عند مستوطنة أو موقع عسكري وتحقيق هدفها حتى لو جرى ذلك أثناء معركة جنين الأخيرة أو بعدها بيوم واحد، وهذا ما يولد الهلع في صفوف جنود الاحتلال ويزيد من درجة الردع الذي تفرضه المقاومة داخل الأراضي المحتلة، وهذا أيضاً ما يعترف به المحلل العسكري في صحيفة «يسرائيل هايوم» يوآف ليمور في 20 حزيران الجاري حين يقول في عنوان تحليله «عدم قدرة الجيش على الردع في الضفة الغربية تخفض ردعه في غزة ولبنان»، ويرى ليمور أن «الأسباب التي دفعت الجيش إلى شن عملية موسعة ضد بنية المسلحين الفلسطينيين في جنين تولدت بعد أن عجز الجيش عن إنهاء وجود المسلحين خلال السنة والنصف الماضية وخاصة في الأشهر الستة الماضية»، ويضيف ليمور: «هذا ما يفرض على إسرائيل أن تسأل نفسها عما إذا كانت تلعب فقط تكتيكياً في الضفة الغربية أو أنها توضح للفصائل الفلسطينية حدود تحملها حتى لو كلف ذلك تصعيداً من القطاع أو من لبنان أيضاً، والحقيقة هي أن نقص الردع عند الجيش سيؤدي إلى تزايد التحديات عليه».
يرى ليمور أن عقد رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو جلسة للحكومة المصغرة لشؤون الأمن أول من أمس في مقر القيادة المركزية العسكرية للضفة الغربية يدل على وجود جلسة غير عادية وأن الحضور فيها سيتخذون قرارات تنفيذية فورية على الأرض وربما هذا ما سوف تحمله الأيام المقبلة.
ويكشف أن قيادة الجيش درست منذ أشهر طويلة خططاً لاستعادة السيطرة على الوضع في مدن الضفة الغربية، ويستدرك بأن نقص المعلومات الاستخباراتية كان من بين الأسباب التي جعلت الجيش في جنين قبل أيام يفشل ويدفع ثمناً في ميدان المعركة في مخيم جنين.
في واقع الأمر تدل تطورات المجابهة بين جيش الاحتلال وفصائل المقاومة في الضفة الغربية على عجز الجيش عن شن حرب شاملة حتى في الضفة الغربية المحاصرة من كل جانب وخاصة بعد أن دفع ثمن فشله بل هزيمته عام 2002 – 2003 حين شن رئيس الحكومة في ذلك الوقت أريئيل شارون حرباً شاملة اجتاح فيها معظم مدن الضفة الغربية مستغلاً التحضيرات الأميركية لغزو العراق وانشغال العالم والمنطقة في موضوعها، ولكنه في النهاية هزم وبقيت المقاومة تزيد وتطور من عملياتها وقدراتها وخاصة في قطاع غزة فأجبرته بعد أعوام قليلة على الانسحاب من القطاع ونزع المستوطنات منه لتزيد بعد ذلك من قدرة ردع المقاومة، وهذا ما يجعل ليمور يشير إلى الفزع منه بعد الهزيمة الأخيرة في جنين.