شؤون محلية

الله يرحم أيام زمان

| محمد حسين

أخرج صديقي من جيبه ورقة نقدية متهالكة بقيمة خمسين ليرة وقال لي بوجه متجهم صارم الملامح: إن قيمة العملة تحددها الوحدة النقدية الأكثر تداولاً بين الناس!!
صديقي الذي لم يضارب بالبورصة يوماً ولا يعرف عن الدولار إلا اسمه (الملعون) كما يحب أن ينعته قال ذلك وكأنه توصل للتو لنظرية اقتصادية طازجة بطعم الوجع أجاب عن سؤالي عن كيفية معرفتنا لتلك القطعة النقدية الأكثر تداولاً وهو يفرد أمامي القطعة النقدية التي أخرجها: انظر إليها كم هي بائسة وحزينة مهلهلة الأوصال من كثرة الأصابع التي دعكتها.. انظر جيداً!!
وأنا تفحصتها وكأنني أراها للمرة الأولى وقلت له: ما الذي تعنيه بذلك لم أفهم ما ترمي إليه، قل ما تريده بوضوح وصراحة.
هز برأسه وقال: عندما كنا صغاراً كانت خرجيتنا أيام المدرسة خمسة قروش ولم نشاهد الليرة بكامل بهائها إلا في المرحلة الثانوية فكم هي خرجية ابنك (المحروس) الطالب في الثانوية العامة؟
قلت كمن يفضح سراً هو يعرفه: خمسون ليرة، ليس بمقدوري تقديم الأكثر له (أنت تعرف البير وغطاه). قال لي وهو يبتسم كمن ضبطني متلبساً: أتذكر تلك القروش الخمسة (خرجيتنا) إنها بقيمة الخمسين ليرة هذه الأيام!! مع فارق وحيد هو أن خرجيتنا كانت معدنية ولم تكن ورقية كحال هذه الأيام!! و أنا المصعوق بما قاله جاهدت لطرد أفكار سوداء عن حال ليرتنا التي لا تسر أحداً، حاولت ضرب أخماسي بأسداسي وأنا أناوله خمسين ليرة من جيبي، متهالكة هي الأخرى وقلت له ما الذي يمكن أن أفعله بها فالسمان رفضها بحدة قائلاً: (بلها واشرب ميتها) حتى المصرف لا يقبلها!!
صديقي قال لي وهو يضغط على مخارج الحروف ومداخلها: هنا مربط الفرس لماذا لا تكون معدنية، فربما كان ذلك أستر لها ولنا.. أليس كذلك؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن