ثقافة وفن

تدوير الزوايا أو تدوير المصالح

| إسماعيل مروة

إن ما شهده العالم أجمع، والعالم العربي على وجه الخصوص، وما شهدته سورية على وجه أكثر خصوصية يعطي دروساً للمتابع العادي، وللإنسان المكتوي بما يجري، وللمجتمع الذي يجعلونه حواضن لأمر ما، فيدفع أثماناً باهظة، ليكتشف فيما بعد أنها كانت بلا طائل، وأنها كانت من أجل مصالح الكبار الذين يتقاتلون على مصالحهم، وسلاحهم الناس العاديون، يفنى الناس، ويبقى أصحاب المصالح لاقتسام ما تبقى!

المهم أن نتعلم مما جرى ويجري، ولكن الذي يثير فينا العجب أننا لا نتعظ، ولا نعترف بأخطائنا، فعندما اعترفت أوروبا نهضت، وعندما أرادت اليابان نهضت، وعندما خلت الصين إلى ذاتها تعملقت، بينما نحن نعود بين فترة وأخرى لنعيد الحكاية نفسها، ونسبح في مياه آسنة مرة ثانية وثالثة، وربما للمرة الألف! فمنذ العصور الإسلامية الأولى جاءت إلى حياتنا فتنة وفتن، وإلى اليوم نسكب عليها الوقود ونشعل النار، وربما ستبقى هذه الفتن ملازمة لكل حياتنا القادمة! اليوم وقد وضعت الحرب أوزارها الخطيرة، وبدأت في المرحلة الاجتماعية والثقافية الأكثر خطورة نشهد مكابرة واصطفافاً في كل جانب. انتهى العراق وبقيت الفتنة، واليوم تبدأ سورية بمرحلة تأخذها إلى التعافي مع خلاف جوهري تمثل بصمود الجيش وبقائه، وبقاء الدولة ومؤسساتها، ومع ذلك تجلس لتستمع لأحدهم، وكأن شيئاً لم يحدث على الإطلاق!.. بالأمس كان واحد من الوزراء والسفراء والمستشارين السابقين، والذي انحاز إلى أن يكون معارضاً شرساً، وهذا المسؤول السابق الذي مارس الفساد على أصوله في أثناء وجوده في السلطة، ومارس فكر المعارضة الإقصائي خلال الأعوام الكثيرة، لا لشيء، إلا لأنه صار خارج إطار السلطة، يأتي اليوم ليتحدث حديثاً يجمع بين النعومة والمعارضة لأنه يخاف الخسارة من أي نوع كان، ومن هذا الباب لم ينس أن يقدم أوراق اعتماده بلطف، وأن يبث بعض آرائه والتي تركز على عناصر الفتنة التي ما تزال منذ أربعة عشر قرناً.. حتى بطولاته ونصائحه التي كان يصطنعها في مرحلة المعارضة الشرسة تنازل عنها ليظهر وطنياً محباً وناصحاً..

لاشك في أن كثيرين تابعوه، لكن تمنيت أن يأخذ هؤلاء درساً منه، أو أن يأخذوا درساً من إجماع الجماعات في الخارج على ضرورة محاورة الدولة السورية، وفي دمشق! وهذا يتطلب من المتابع البسيط أن يسأل وأن يستفهم عن المجريات، وعن الأسباب! وهل كان ما جرى أمراً بسيطاً؟ وهل كان بإمكان الموجودين الوصول إلى حلول سهلة كما يدّعون؟ وعندما يقول ذاك المسؤول السابق المعارض الحالي: لقد كنا لعبة بأيدي القوى الكبرى، لم نتحكم بشيء، ألا يعني ذلك شيئاً لنا ونحن نرى كيف تحولت حياتنا إلى أسوأ ما يمكن أن يكون، فبعد أن كان واحدنا يأتي بكيس كامل من السكر والرز قبل الحرب، بسعر كيلو واحد بعد الحرب، من الذي فعل هذا؟ ومن استفاد منه؟

وحين يقول المسؤول السابق المعارض الحالي: إن أميركا هي التي أرادت ما جرى، وهي التي أطالت الحرب، وحسب زعمه بأنها هي التي حافظت على بقاء الدولة، فلماذا لا يزال هو وغيره يؤمّلون بأميركا وعقوباتها ويهللون لها.. لا ريب في أن أميركا هي الدولة الأولى في العالم، وعلى كل مستوى، ولكنها دولة مصالح، ودولة إستراتيجية وبراغماتية، ولكن بما يناسب مصالحها، وهي دولة استعمارية تسعى لمصالحها، وليست جمعية للدول الأخرى، وهذا الفهم يجعلنا نعود إلى أنفسنا لمعالجة أمورنا بأنفسنا من دون التعويل على ما تريده هذه الدول أو تلك، وما دام الفهم وصل إلى مرحلة متقدمة، فلماذا لا يجري واحدهم مراجعة؟ أم إن المصلحة تقتضي بأن يبقى الواحد على نهج لا يغيره ولو ثبت له فساده؟!

قراءة التاريخ البعيد من أيام الإمبراطوريات القديمة، ومعرفة التحالفات، وأسسها، وقراءة التاريخ الوسيط والقريب واللصيق بنا مما يجري من أحداث يظهر للجميع بأن المصالح هي التي تحكم الحياة والعلاقات بين الشعوب، ولا شيء سوى المصالح، وهؤلاء وغيرهم يتحدثون عن تجارب العرب العلمية والاقتصادية في الغرب، ويرددون ما يقولوه طلال أبو غزالة وسواه، يرددون ما يقول ولا يأخذون منه عبرة أو حكمة، ولا أقول بأخذ كلامهم والسير وفقه على الإطلاق، والمتحدثون أنفسهم يضعون كلامهم ضمن إطار الاحتمالات، وهم غير منغمسين بالشؤون الداخلية العربية مطلقاً، وآليات عملهم وتفكيرهم لها علاقة بالمجتمعات التي يعيشون فيها.. وليس مطلوباً منا إلا أن نقوم بقراءة ما يصلنا عن طريقهم وعن طرق أخرى لوضع آليات إستراتيجية للعالم القادم الذي نريد أن نحيا فيه.

الآن نحن بحاجة إلى مراجعات سريعة ومنطقية، أن يتحاور المتخاصمون، ولا يكفي أن نتحدث عن عراقتنا وأصالتنا ولا يجدينا أننا اخترعنا الأبجدية والنوتات وسواها، هذا مصدر فخر، لكن الفخر الأكبر يتمثل في أن نستثمر الحضارة القديمة والقريبة، وليس مهماً أن نمتدح السوري أو ننتقده، بل المهم أن نعطيه الآفاق للإبداع ليكون قادراً على خدمة وطنه أولاً، وقبل الانطلاق إلى العالم.. لاشك في أن الحرب على سورية أظهرت قدرة السوري على الخلق والإبداع والتفوق، ولكن ألا يشعر المتحدثون بالألم وهم يتحدثون، فلو تم التفكير بعقلانية ومصلحية، فإن هذا التفوق كان في سورية ولمصلحتها، فالطلاب المتفوقون كان بإمكانهم أن يتفوقوا في الجامعات السورية وأن يرفعوا اسمها، والمعامل المهمة كانت من الأفضل على الأرض السورية والتجارة المجدية للمنتوج السوري وهكذا..

أقول هذا الكلام لأنني لا أشعر بكثير من التفاؤل حتى بالالتفات لكثيرين، ربما استفاقت المصالح لدى الخصوم، وأعادوا الأمور بالوهم إلى مكان عسير وصعب.

يبدو أن الوطن امرأة تسير على سكة لا تحيد عنها صوب هدف محدد، وأي انحياز عن السكة أدى إلى كارثة، والأبناء طائرة تحط في كل مكان لتجعل محطاتها مستمرة ولا تحتاج إلى طريق ثابتة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن