شؤون محلية

احتفالية مبهجة لإحياء بردى

| ميشيل خياط

كانت احتفالية مبهجة جداً على مدرج جامعة دمشق الذي اتسم تاريخيا برصانة الخطابات السياسية وبلاغة المهرجانات الشعرية.

صعد إلى منصته للتكريم، مسؤولون وأساتذة، ثم غمره بفرحهم وودهم عشرات طلاب وطالبات المعهد العالي للتخطيط الإقليمي، وسط انبهارهم لأنها المرة الأولى التي يسمح لهم فيها أن يصلوا إلى تلك المنصة.

وساهمت الموسيقى في إعطاء الواقعة طابعاً احتفالياً.

ولكن الاحتفال بمن….؟

بنهر بردى- المسكين- الذي يحتضر على بعد ثلاثمئة متر تقريباً من ذاك المدرج، ويجري متثاقلا مجللا بسواد الماء الآسن المنسكب فيه من البيوت والمطاعم والمقاهي، ومغطى بنفايات صلبة منزلية وفردية جعلت منه مكبا كبيراً للنفايات.

أما سر الاحتفال ببردى فهو فوز المشروع البحثي لإنقاذ بردى الذي أنجزه المعهد العالي للتخطيط الإقليمي في جامعة دمشق، بجائزة الجامعة الإيطالية- لاسابينزا دي روما- الجائزة الأولى للتمويل في مسابقة دولية. والذكرى المئوية لتأسيس جامعة دمشق.

ونرى كي يشعر بردى العظيم، صانع الفيحاء، بهذا الود نحوه، أن يتم الانتقال من مرحلة الأبحاث إلى مرحلة التنفيذ.

فالصورة واضحة في ذهن المعهد العالي للتخطيط الإقليمي، بعد أربع سنوات من البحث العملي والنظري الممول من الهيئة العامة للبحث العلمي السورية، أرى أن يتم التفاهم مابين محافظة دمشق ووزارة الموارد المائية على إنجاز حل عملي نهائي للصعاب التي تواجه بناء محطات المعالجة للمياه الآسنة على مسار النهر، بعد محطة سهل مضايا- المحطة الماليزية- وحتى الوزان في دمر، وأن يبدأ المعهد العالي ببناء محطات المعالجة القصبية التي وعدت بها الدكتورة غادة بلال مديرة مشروع إحياء بردى، على مسار النهر داخل دمشق، ولاسيما في حديقة تشرين، وهو حل مجرب في سورية وناجح في إحدى قرى ريف دمشق وفي عدة مناطق سورية.

علما أن موضوع التخلص من النفايات السائلة يشهد تطوراً علمياً كبيراً في الوقت الراهن، سواء عن طريق البكتريا أم الأسماك الملتهمة لهذه النفايات.

إن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، ومما لاشك فيه أن المهمة صعبة جداً، ولعل أهم مثال عن الدور السلبي للانتظار، هو التضخم المالي الهائل الذي جعل من المبلغ المرصود من مجلس الوزراء لمحافظة دمشق لهذا المشروع قبل ثلاث سنوات وهو 14مليار ليرة سورية، مبلغاً زهيداً الآن بسبب ارتفاع الأسعار ارتفاعاً هائلاً.

لا يجوز غض النظر عن حال نهر بردى، لقد اندثرت بحيرته وغاب نبعه إذ يتم ضخ مياهه بوساطة آبار في منطقة النبع إلى شبكة مياه الشرب لسكان مدينة دمشق، الذين يشهدون تزايداً هائلاً، علماً أن آخر مشروع لمياه الشرب أنجز لمصلحة دمشق في العام 1980، قد أخذ بعين النظر أن أقصى عدد من السكان يمكن تزويده بماء عذب هو مليون إنسان، فإذا بدمشق الآن نصف سكان سورية، أي أكثر من عشرة ملايين نسمة، وهي عملياً تشرب من نهرين: الفيجة وبردى، وتروي ظمأ أبنائها من الكثير من الآبار التي حفرت داخلها.

وإذا كنا لم نقو تاريخيا على إيجاد حل لهذه المعضلة- السكانية- فالأجدر بنا أن نتجه نحو الحل الآخر الذي يؤمن للسكان الغذاء والهواء النقي والصحة من خلال محطات المعالجة الكبرى، وأهمها محطة عدرا التي دمرها العدوان الإرهابي على سورية، وكانت قبل تلك الحرب الجائرة، تعالج 350 ألف متر مكعب من المياه الآسنة السوداء- مياه المجارير- وتجعلها صالحة لإرواء 18الف هكتار من أراضي غوطة دمشق ودوما.

إن الري حالياً بمياه آسنة يضر بصحتنا ضررا شديدا ويزيد من تلوث الهواء بالغبار بسبب تناقص الأشجار، ويقلص إنتاجنا الزراعي.

والمياه المالحة تحرق التربة وتجعلها بعد كثير من السنوات غير صالحة للزراعة.

نرى أن تسير مجمل هذه المشاريع معاً لإنقاذ الشام من التصحر، وإعادتها فيحاء جميلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن