في 19 حزيران الجاري نشر «المعهد السياسي والإستراتيجي – أي بي إس» التابع لجامعة رايخمان الإسرائيلية، الذي كان تحت إدارة «مركز هيرتسيليا»، خلاصة لما توصل إليه بعد مؤتمره السنوي الذي عقده في حزيران الجاري تحت عنوان: «العهد الإستراتيجي الجديد في الشرق الأوسط – إلى أين؟» تطرق فيه إلى محور إيران واحتمال التوصل إلى اتفاق أميركي معها في الموضوع النووي وجاء فيه: «من الزاوية الإسرائيلية إذا ما تحققت التفاهمات الجديدة بين واشنطن وطهران كبديل عن اتفاق كامل فهذا يعني أن إسرائيل ستظهر كمن فقد عوامل إستراتيجية لأنها ستجد نفسها عملياً وحيدة في المعركة ضد المشروع النووي الإيراني. ومن الناحية العملية لن يكون بمقدور إسرائيل أن تتوقع دعماً دولياً لعملية عسكرية ضد إيران وهذا من شأنه توليد تقليص كبير في حرية عملها الإستراتيجي ضد المشروع النووي العسكري الإيراني، ما سوف يجعل خطة صد أي تقدم في المشروع النووي الإيراني تتجه نحو المحافظة على استمرار عملية بناء قوة الجيش الإسرائيلي على المدى الطويل لكي يستعد أكثر لاحتمال استخدام الخيار العسكري ومنع إيران من امتلاك السلاح النووي».
وإضافة إلى ما تشكله إيران على جدول العمل الإسرائيلي، يحذر تقدير الوضع الذي أعده رئيس المخابرات العسكرية الجنرال أهارون حاليفا في المؤتمر نفسه من أن «رئيس حزب اللـه بدأ يفكر بأنه قادر على فرض مقارنات بين قوته وقوة الجيش الإسرائيلي وقد يقوم بتوتير الأجواء على جبهة الشمال».
ويكشف التقدير أنه «بموجب التحذيرات التي أكدها قادة المنظومة العسكرية والأمنية، أصبحت إسرائيل مطالبة بالاستعداد على المستويين السياسي والعسكري، لخوض مواجهة شاملة متعددة الجبهات، وهذا ما يشير إليه وجود مصالح موحدة للأعداء في الجوار لأنهم يعتقدون أن مظاهر القوة الإسرائيلية بدأت بالضعف».
وتحت عنوان «العلاقة بين السياسة والإستراتيجية من جهة وبين القدرة العسكرية وتجسيدها على الأرض من جهة أخرى»، يبين رئيس الدائرة السياسية سابقاً في وزارة الحرب الإسرائيلية الجنرال المتقاعد عاموس جلعاد في مداخلته: «الحرب في أوكرانيا لا تزال في ذروتها، ومن الصعب تقدير ما سوف تحمله التحولات والمنعطفات القادمة في المشهد الدرامي الذي يرتسم أمام أعيننا، فهذه لها مضاعفات واسعة ومباشرة على النظام العالمي ونظام الشرق الأوسط، ومع ذلك أصبح المطلوب من الجيش استخلاص النتائج الإجرائية منذ هذه اللحظة إزاء احتمال أن يجبر على شن حرب على قطاع غزة أو لبنان ضد المنظمات المسلحة المتخندقة في المدن وبين المدنيين والقادرة على استخدام قوة متطورة مستقلة ودقيقة الإصابة للهدف».
ويطالب في تقريره القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية بعدم الاستهانة «في وضع كل الاحتمالات وصياغة إستراتيجية منسجمة مع مستوى كفاءة وقدرة الجيش»، ويحذر من أن أي «ثغرة تظهر بين واقعنا وبين قرار القيادة السياسية في استخدام الجيش من المحتمل أن تجعلنا ندفع ثمناً باهظاً، لذلك يتعين وجود اتفاق وانسجام بين كل القيادات والمنظومات العسكرية – السياسية على أهداف المعركة ومفهوم توظيفها وكذلك مفهوم ما بعد انتهاء المجابهة لكي يتحقق التوازن الإستراتيجي الشامل».
ويرى جلعاد أن الجيش يحتاج بالضرورة إلى بناء نفسه «بشكل يتفوق فيه على جميع الأعداء والخصوم الإقليميين والمحافظة على حرية العمل العسكري»، ويطالب «بإدارة سياسة متوازنة مع القوى الكبرى تتفق مع مصالح الأمن القومي وخاصة أن ضمان وجود قوة متفوقة لإسرائيل يستلزم بالضرورة تعاوناً مشتركاً إستراتيجياً مع الولايات المتحدة وهو أهم عنصر مركزي لا يمكن الاستغناء عنه في مفهوم الأمن القومي والقدرة على الردع».
والخلاصة الواضحة من هذه المقدمات وافتراضاتها هي أن الكيان واقع بين أزمة ضعف قدراته أمام حرب على عدة جبهات وبين أزمة ضعف أميركي يزداد يوماً تلو آخر بسبب الانشغال الأميركي الغربي في حرب أوكرانيا واستنزافها لقدرته وجدول عمله العالمي وبما تولده من قيود على تحركه في الشرق الأوسط، ولا شك بأن كل ما ذكره جلعاد يدل على أن ميزان القوى الإقليمي والعالمي لم يعد يميل لمصلحة نجاح الخطط الإقليمية الإسرائيلية في المنطقة، وهذا ما جعل توصيته تتجه نحو الاهتمام بعدوان على المنظمات المسلحة في قطاع غزة وجنوب لبنان لعزل كل واحدة عن الأخرى وعزلهما معاً عن جبهة محور المقاومة الشاملة بأي طريقة سياسية أو تكتيك عسكري مباشر وهو ما لم يحققه الكيان منذ عشرات السنين لأن وحدة محور المقاومة بكل أطرافه دولاً أو منظمات ولدت مفهوم وحدة الساحات في مواجهته بكل الوسائل والأشكال.